للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ كَمَا نَهَاهُ فِي الْآيِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَى الْمَرْأَةَ شَيْئًا {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَأَبَاحَ لَهُمَا إذَا انْتَقَلَتْ عَنْ حَدِّ اللَّاتِي حَرَّمَ أَمْوَالَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لِخَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ لَمْ يُحَدِّدْ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مَا أَعْطَاهَا وَلَا غَيْرَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَحِلُّ مَا تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَالَةٌ عَلَى إبَاحَةِ مَا كَثُرَ مِنْهُ وَقَلَّ لِقَوْلِهِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عَلَى بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا شَأْنُك قَالَتْ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ حَبِيبَةَ أَنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُو شَيْئًا بِبَدَنِهَا فِي الْغَلَسِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يُخْرِجُهُمَا إلَى خَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ تَأْدِيَةِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْكَرَاهِيَةِ لَهُ أَوْ عَارِضٌ مِنْهَا فِي حُبِّ الْخُرُوجِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ فَلَمَّا وَجَدْنَا حُكْمَ اللَّهِ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْئًا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْحَالَ الَّتِي أَبَاحَ بِهَا لِلزَّوْجِ الْأَخْذَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحَالُ الْمُخَالِفَةُ الْحَالِ الَّتِي حَرُمَ بِهَا الْأَخْذُ، تِلْكَ الْحَالُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُبْتَدِئَةُ الْمَانِعَةُ لِأَكْثَرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا مِنْهَا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ تَطْلُبَ الْفِدْيَةَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَافْتِدَاؤُهَا مِنْهُ شَيْءٌ تُعْطِيهِ مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الْآيَةُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالُ الَّتِي تُخَالِفُ هَذِهِ الْحَالَ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَبْذُلْ فِيهَا الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ وَالْحَالُ الَّتِي يَتَدَاعَيَانِ فِيهَا الْإِسَاءَةَ لَا تُقِرُّ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مِنْهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} كَمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا فِعْلٌ تَبْدَأُ بِهِ الْمَرْأَةُ يَخَافُ عَلَيْهِمَا فِيهِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ لَا أَنَّ خَوْفًا مِنْهُمَا بِلَا سَبَبٍ فُعِلَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ تَأْدِيَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَالَ مِنْهَا الزَّوْجُ مَالَهُ مِنْ أَدَبٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْفِدْيَةَ وَذَلِكَ أَنَّ حَبِيبَةَ جَاءَتْ تَشْكُو شَيْئًا بِبَدَنِهَا نَالَهَا بِهِ ثَابِتٌ ثُمَّ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَفْتَدِيَ وَأَذِنَ لِثَابِتٍ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ حَبِيبَةَ كَانَتْ لِثَابِتٍ وَأَنَّهَا تَطَوَّعَتْ بِالْفِدَاءِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَعِدَّتُهَا إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ نَاكِحٍ كَانَ يُعَدُّ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا فَالْعِدَّةُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بَعْدُ فَقَالَ يَتَزَوَّجُهَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} إلَى قَوْلِهِ {أَنْ يَتَرَاجَعَا} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَجَازَهُ الْمَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>