للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ وَالسَّرَاحِ إلَّا مَنْ هَذَا إلَيْهِ ثُمَّ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْرُوفٍ وَهَذِهِ كَالْآيَةِ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} قَالَ وَتَقُولُ هَذَا الْعَرَبُ؟ قُلْت نَعَمْ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ. وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قَالَ فَلِمَ قُلْت: إنَّهَا تَكُونُ لِلْأَزْوَاجِ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ؟ فَقُلْت لَهُ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} إِلَى {أَنْ يَتَرَاجَعَا} قَالَ فَلِمَ قُلْت فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ؟ وَقُلْت فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ وَالْكَلَامُ فِيهِمَا وَاحِدٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقُلْت لَهُ {بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} يَحْتَمِلُ قَارَبْنَ الْبُلُوغَ وَبَلَغْنَ فَرَغْنَ مِمَّا عَلَيْهِنَّ فَكَانَ سِبَاقُ الْكَلَامِ فِي الْآيَتَيْنِ دَلِيلًا عَلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الطَّلَاقِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ إلَّا مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَفْعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مَا شِئْنَ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ هَذَا مِنْ أَبْيَنِهِ وَأَقَلِّهِ خَفَاءً لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بِسِيَاقِ الْكَلَامِ فِيهِمَا. وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي الْمُتَوَفَّى فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَيَحِلَّ نِكَاحُهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَالَ وَمَا السُّنَّةُ فِيهِ؟ قُلْت أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ «أَنَّ ركامة بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ قَالَ: فَمَا الْأَثَرُ فِيهِ؟ قُلْت: أَوْ يَحْتَاجُ مَعَ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى غَيْرِهِمَا؟ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك أَثَرٌ فَلَا عَلَيْك أَنْ تَذْكُرَهُ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ قَدْ فَعَلْته قَالَ فَقَرَأَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت قَدْ فَعَلْته قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَبُتُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلتُّومَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلْمُطَّلِبِ. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: احْلِفْ فَقَالَ أَتَرَانِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَعُ فِي الْحَرَامِ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ؟ فَقَالَ لَهُ احْلِفْ فَحَلَفَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ يَدِينُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>