كَمَنْ طَلَّقَ مَنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَلَاقِهِ وَكَمَنْ شَرَطَ الْعُهْدَةَ فِي الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ وَالسَّلَفِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ؟ قِيلَ قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ شِهَابٍ فَفَارَقَهَا حَامِلًا فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِمَا الْفُرْقَةُ لَا أَنَّ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ فُرْقَةٌ إلَّا بِطَلَاقِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ» وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ فُرْقَةِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَانِ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَيْسَا عِنْدِي مُخْتَلِفَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ شَهِدَ مُتَلَاعِنَيْنِ غَيْرَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَهُمَا سَهْلٌ وَأَخْبَرَ عَمَّا شَهِدَ وَأَخْبَرَ سَهْلٌ عَمَّا شَهِدَ فَيَكُونُ اللِّعَانُ إذَا كَانَ فُرْقَةً بِطَلَاقِ الزَّوْجِ وَسُكُوتِهِ سَوَاءٌ أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ شَهِدَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَ سَهْلٌ فَسَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ أَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ فَحَكَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ سَمِعَ الزَّوْجَ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَذَهَبَ عَلَى سَهْلٍ حِفْظُهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي حَدِيثِهِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا هَذَا حِكَايَةٌ لِمَعْنًى بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفِينَ أَوْ مُجْتَمِعَيْ الْمَعْنَى مُخْتَلِفَيْ اللَّفْظِ أَوْ حَفِظَ بَعْضَ مَا لَمْ يَحْفَظْ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ وَلَمَّا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ» دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْتُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ وَاَللَّهُ وَلِيُّ مَا غَابَ عَنْهُ وَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا إذْ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك أَوْ تَفْعَلَ كَذَا أَوْ يَكُونَ كَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلِّقِ الثَّالِثَةَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} وَاسْتَدْلَلْنَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى الْوَلَدَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَيَزُولُ الْفِرَاشُ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَرْجِعُ إذَا أَقَرَّ بِهِ قِيلَ لَهُ لَمَّا «سَأَلَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَاهَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْت صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا أَوْ مِنْهُ» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ وَالْمَسِيسِ مَعَ الْعَقْدِ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ جَاءَتْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ رَمَاهَا بِالزِّنَا قِيلَ لَهُ قَدْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ زَنَتْ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَبَ عَلَيْهَا فَالْفُرْقَةُ بِهِ كَانَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِهَا إلَّا بِقَذْفِهِ وَالْتِعَانِهِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ لَهَا سَبَبًا كَمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْخُلْعِ فَيَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ الْخُلَعَ وَالْمُلَاعَنُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا بِحَرَامٍ وَمَا أَشْبَهَهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَلَمَّا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي حَكَى فِيهِ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَكَانَ وَلَدُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا قَدْ شُبِّهَ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فِيهَا أَنَّهُ رَمَاهَا بِالزِّنَا وَرَمْيُهُ إيَّاهَا بِالزِّنَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَهَا فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا وَجَعَلَ الْحَمْلَ إنْ كَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُ إذْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَقَالَ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ النَّعْتِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ تَرَى أَنَّهَا حُبْلَى مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي قِيلَ لَهُ أَرَدْت أَنَّهَا زَنَتْ؟ فَإِنْ قَالَ لَا وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَكِنِّي لَمْ أُصِبْهَا قِيلَ لَهُ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْطِئَ هَذَا الْحَبَلُ فَتَكُونَ صَادِقًا وَتَكُونَ غَيْرَ زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَّى تَضَعَ فَإِذَا اسْتَيْقَنَا أَنَّهُ حَبَلٌ قُلْنَا مَا أَرَدْت؟ فَإِنْ قَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قُلْنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلَهَا فَتَحْبَلَ مِنْك فَتَكُونَ أَنْتَ صَادِقًا فِي الظَّاهِرِ بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute