للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ ثَابِتٌ فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ إسْلَامُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ إذَا افْتَرَقَتْ دَارُهُمَا أَوْ لَمْ تَفْتَرِقْ وَلَا تَصْنَعُ الدَّارُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِسْلَامِ شَيْئًا سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَارَتْ دَارُهُ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ مُقِيمًا بِدَارِ الْكُفْرِ لَا تُغَيِّرُ الدَّارُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةُ وَخُزَاعَةُ مُسْلِمُونَ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ مُقِيمَةٌ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدُ بَعْدَ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَقَدْ كَانَتْ كَافِرَةً مُقِيمَةً بِدَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَوْمئِذٍ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَبُو سُفْيَانَ بِهَا مُسْلِمٌ وَهِنْدٌ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى أَسْلَمَتْ وَكَانَ كَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَإِسْلَامُهُ، وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ فَصَارَتْ دَارُهُمَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَظَهَرَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ وَصَفْوَانُ يُرِيدُ الْيَمَنَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ ثُمَّ رَجَعَ صَفْوَانُ إلَى مَكَّةَ وَهِيَ دَارُ إسْلَامِ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ عِكْرِمَةُ وَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ فَقُلْت لَهُ مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَمْرِ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَزْوَاجِهِمَا، وَأَمْرُ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَأَزْوَاجِهِمَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَهَلْ تَرَى مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ أَنَّ الدَّارَ لَا تُغَيِّرُ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئًا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْت وَقَدْ حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ بِمَكَّةَ فَأَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ إذَا كَانَا فِي دَارِ حَرْبٍ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ لَمْ يَحِلَّ الْجِمَاعُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَإِنَّمَا يُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي الْوَطْءِ بِالدِّينِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ حَرْبٍ حَلَّ الْوَطْءُ فَقَالَ إنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَأَنَا أَقُومُ بِحُجَّتِهِ فَقُلْت لَهُ الْقِيَامُ بِقَوْلٍ تَدِينُ بِهِ أَلْزَمُ لَك فَإِنْ كُنْت عَجَزْت عَنْهُ فَلَعَلَّك لَا تَقْوَى عَلَى غَيْرِهِ قَالَ فَأَنَا أَقُومُ بِهِ فَأَحْتَجُّ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَقُلْت لَهُ: أَيَعْدُو قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أَنْ يَكُونَ إذَا أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ كَافِرَةٌ كَانَ الْإِسْلَامُ قَطْعًا لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا حِينَ يُسْلِمُ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ إذَا كَانَتْ وَثَنِيَّةً أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} إذَا جَاءَتْ عَلَيْهِنَّ مُدَّةٌ لَمْ يُسْلِمْنَ فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا؟ قَالَ مَا يَعْدُو هَذَا قُلْت فَالْمُدَّةُ هَلْ يَجُوزُ بِأَنْ تَكُونَ هَكَذَا أَبَدًا إلَّا بِخَبَرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ؟ قَالَ لَا قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ مُدَّتُهَا سَاعَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ يَوْمٌ وَقَالَ آخَرُ سَنَةٌ وَقَالَ آخَرُ مِائَةُ سَنَةٍ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا دَلَالَةٌ عَلَى الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِخَبَرٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ فَقُلْت بِأَيِّهِمَا شِئْت وَلَيْسَ قَوْلُك مَنْ حَكَيْت قَوْلَهُ دَاخِلًا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فَهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَتَقَارَبَ مَا بَيْنَ إسْلَامِهِمَا قُلْت أَلَيْسَ قَدْ أَسْلَمَ وَصَارَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَقَرَّتْ مَعَهُ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِمْ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَلِمَ تَقْطَعُ بِالْإِسْلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>