وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسُهُ أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَ كَانَ أَوْلَاهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} عَلَى أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ تَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ تَصِحُّ عُقْدَةُ نِكَاحِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ بِهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ، الْبُيُوعُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ اسْتِدْلَالُنَا عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ تَصِحُّ بِالْكَلَامِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يُفْسِدُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَبَدًا وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ ثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلَامِ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا صَدَاقَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا بِالْآيَةِ وَبِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} يُرِيدُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِالنِّكَاحِ وَالْمَسِيسِ بِغَيْرِ مَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْكِحَ فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ.
وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} عَلَى أَنْ لَا وَقْتَ فِي الصَّدَاقِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنْ الْقِنْطَارِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدًّا لِلْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِي الْمَهْرِ أَقَلُّ مَا يَتَمَوَّلُ النَّاسُ مِمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ وَمَا الْعَلَائِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» وَلَا يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا عَلَى مَا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُبَاعُ بِهَا وَتَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وَمَا لَا يَطْرَحُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلُ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الَّذِي يَطْرَحُونَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْقَصْدُ فِي الْمَهْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. طَلَبُ الْبَرَكَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّ قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْت: لَا قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَذَاكَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَزْوَاجِهِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ؟ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَك قَالَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا قَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَالْخَاتَمُ مِنْ الْحَدِيدِ لَا يَسْوَى دِرْهَمًا وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ وَلَكِنْ لَهُ ثَمَنٌ قَدْرُ مَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الَّذِي قَبْلَ هَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute