لِأَحَدٍ مَعَ أَبٍ وَمَنْ كَانَ وَلِيًّا بَعْدَهُ فَقَدْ يُشْرِكُهُ فِي الْوِلَايَةِ غَيْرَ الْإِخْوَةِ، وَبَنُو الْعَمِّ مَعَ الْمَوْلَى يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِي الْوِلَايَةِ وَلَا يُشْرِكُ الْأَبُ أَحَدًا فِي الْوِلَايَةِ بِانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ اسْمِ الْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا أَوْجَبَ لِلْأُمِّ الْوَالِدَةِ اسْمَ الْأُمِّ مُطْلَقًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لَهُ أَمْرٌ فِي نَفْسِهِ يُرَدُّ عَنْهُ إنْ خُولِفَ أَمْرُهُ وَسَأَلَ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لَا يَحِلُّ مَحَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ خِلَافَ مَا أُمِرَ بِهِ فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} فَإِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فَمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِجَمْعِ الْأُلْفَةِ وَأَنْ يَسْتَنَّ بِالِاسْتِشَارَةِ بَعْدَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ مَا لَهُ وَعَلَى أَنَّ أَعْظَمَ لِرَغْبَتِهِمْ وَسُرُورِهِمْ أَنْ يُشَاوِرُوا لَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَهُ إذَا عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَقَوْلُهُ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ نُعَيْمًا أَنْ يُؤَامِرَ أُمَّ ابْنَتِهِ فِيهَا» وَلَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ أَنْ لَيْسَ لِأُمِّهَا فِيهَا أَمْرٌ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَمَا وَصَفْت أَوَّلًا تَرَى أَنَّ فِي حَدِيثِ نُعَيْمٍ مَا بَيَّنَ مَا وَصَفْت لِأَنَّ ابْنَةَ نُعَيْمٍ لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ أَبِيهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَسْأَلَتِهَا فَإِنْ أَذِنَتْ جَازَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ رَدَّ عَنْهَا كَمَا رَدَّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْت خِدَامٍ وَلَوْ كَانَ نُعَيْمٌ اسْتَأْذَنَ ابْنَتَهُ وَكَانَ شَبِيهًا أَنْ لَا يُخَالِفَ أُمَّهَا وَلَوْ خَالَفَهَا أَوْ تَفَوَّتَ عَلَيْهَا فَكَانَ نِكَاحُهَا بِإِذْنِهَا كَانَتْ أُمُّهَا شَبِيهًا أَنْ لَا تُعَارِضَ نُعَيْمًا فِي كَرَاهِيَةِ إنْكَاحِهَا مَنْ رَضِيَتْ وَلَا أَحْسِبُ أُمَّهَا تَكَلَّمَتْ إلَّا وَقَدْ سَخِطَتْ ابْنَتُهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْهَا رَضِيَتْ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ حَارِثَةَ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَلَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا يَتِمُّ نِكَاحٌ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا وَرِضَا الزَّوْجِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الشُّهُودُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالنِّكَاحُ يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْوَلِيُّ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَرِضَا النَّاكِحِ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ إلَّا مَا وَصَفْنَا مِنْ الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْأَمَةُ يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَإِنَّهُمَا مُخَالِفَانِ مَا سِوَاهُمَا وَقَدْ تَأَوَّلَ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَقَالَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيمَا تَأَوَّلَ وَقَالَ هُوَ الزَّوْجُ يَعْفُو فَيَدَعُ مَالَهُ مَنْ أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَفِي الْآيَةِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فَإِذَا كَانَ يَتِمُّ بِأَشْيَاءَ فَنَقَصَ مِنْهَا وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ وَلَا جَائِزٍ فَأَيُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ نَقَصَ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ النِّكَاحُ وَيَجِبُ خَامِسَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute