زَوَّجْته إيَّاهَا وَلَعَلَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ لَهَا أَوْ أَحَبُّ إلَيْهَا أَوْ أَوْفَقُ لَهَا فِي دِينٍ أَوْ خُلُقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَلَسْت أَرَى عَقْدَك عَلَيْهَا إلَّا خِلَافَ النَّظَرِ لَهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَالِغًا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْك كَانَ النَّظَرُ يَكُونُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ تُوضَعَ فِي كَفَاءَةٍ أَوْ عِنْدَ ذِي دِينٍ أَوْ عِنْدَ ذِي خُلُقٍ أَوْ عِنْدَ ذِي مَالٍ أَوْ عِنْدَ مَنْ تَهْوَى فَتُعَفُّ بِهِ عَنْ التَّطَلُّعِ إلَى غَيْرِهِ وَكَانَ أَحَدٌ لَا يَقُومُ فِي النَّظَرِ لَهَا فِي الْهَوَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَاتَ نَفْسِهَا مِنْ النَّاسِ إلَّا هِيَ فَإِنْكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً قَدْ يَكُونُ نَظَرًا عَلَيْهَا وَخِلَافُ النَّظَرِ لَهَا، قَالَ أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْهَوَى فِي الزَّوْجِ فَنَعَمْ قُلْت فَهِيَ لَوْ كَانَتْ بَالِغَةً فَدَعَوْتهَا إلَى خَيْرِ النَّاسِ وَدَعَتْ إلَى دُونِهِ إذَا كَانَ كُفْئًا كَانَ الْحَقُّ عِنْدَك أَنَّ زَوْجَهَا مَنْ دَعَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ أَعْلَمَ بِمَنْ يُوَافِقُهَا وَحَرَامٌ عِنْدَك أَنْ تَمْنَعَهَا إيَّاهُ وَلَعَلَّهَا تُفْتَتَنُ بِهِ أَلَيْسَ تَزَوَّجُهُ؟ قَالَ نَعَمْ.
قُلْت فَأَرَاهَا أَوْلَى بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهَا مِنْك وَأَرَى نَظَرَك لَهَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَنْظُرُ فِيهِ لِنَفْسِهَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهَا، قُلْت أَفَتُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: قَدْ يَكُونُ تَزْوِيجُهَا نَظَرًا عَلَيْهَا تَمُوتُ فَيَرِثُهَا الَّذِي زَوَّجْتهَا إيَّاهُ وَتَعِيشُ عُمُرًا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى مَالِ الزَّوْجِ وَمُحْتَاجَةٍ إلَى مُوَافَقَتِهِ وَتَكُونُ أَدْخَلْتهَا فِيمَا لَا تُوَافِقُهَا.
وَلَيْسَتْ فِيهَا الْحَاجَةُ الَّتِي اعْتَلَلْت بِهَا فِي الْفَقِيرَةِ، قَالَ فَيَقْبُحُ أَنْ نَقُولَ تُزَوَّجُ الْفَقِيرَةُ وَلَا تُزَوَّجُ الْغَنِيَّةُ قُلْت كِلَاهُمَا قَبِيحٌ.
قَالَ فَقَدْ تَزَوَّجَ بَعْضُ التَّابِعِينَ، قُلْت قَدْ نُخَالِفُ نَحْنُ بَعْضَ التَّابِعِينَ بِمَا حُجَّتُنَا فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَأَنْتَ لَا تَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَلْزَمُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ؟
قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا جَامَعْتَنَا فِي أَنْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَاكْتَفَيْنَا إذَا قُلْت بِشَاهِدَيْنِ أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِهِ كَمَا يَكُونُ مَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ فَقُلْت أَنْتَ تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ قُلْت بِالِاسْمِ دُونَ الْعَدْلِ هُنَا وَلَمْ تَقُلْ هُنَاكَ؟ قَالَ لَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلًا قُلْت هَذَا مَعْفُوٌّ عَنْ الْعَدْلِ فِيهِ فَقُلْت لَهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شُهُودَ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْبَيْعِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلًا وَشَرَطَ الْعَدْلَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك رَجُلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدْلِ وَسَمَّى الشُّهُودَ اكْتَفَيْت بِتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ دُونَ الْعَدْلِ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا ذَكَرَ اللَّهُ الشُّهُودَ وَشَرَطَ فِيهِمْ الْعَدَالَةَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ فِي غَيْرِهِ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالشُّهُودِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِرَجُلٍ فِي حَقٍّ ائْتِ بِشَاهِدَيْنِ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا عُدُولًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَيَعْدُو النِّكَاحُ أَنْ يَكُونَ كَبَعْضِ هَذَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْعَدْلُ وَكَالْبُيُوعِ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ الشَّهَادَةِ إذَا تَشَاجَرَ الزَّوْجَانِ أَوْ يَكُونُ فِيهِ خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَيَنْتَهِي إلَيْهِ؟ قَالَ مَا فِيهِ خَبَرٌ وَمَا هُوَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ وَوَجَدْنَا بَعْضَ أَصْحَابِك يَقُولُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقُلْت لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَجَازَ لَك أَنْ تَسْتَحْسِنَ خِلَافَ الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَك مِنْ الْخَطَأِ شَيْءٌ إلَّا قَدْ أَجَزْته، قَالَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِك إذَا أُشِيدَ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يَعْقِدْ بِالشُّهُودِ جَازَ وَإِنْ عَقَدَ بِشُهُودٍ وَلَمْ يَشِدْ بِهِ لَمْ يَجُزْ " قَالَ الرَّبِيعُ أُشِيدُ يَعْنِي إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فُلَانٌ تَزَوَّجَ وَفُلَانَةُ خِدْرٌ " فَقُلْت لَهُ أَفَتَرَى مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا فَتُشْبِهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؟ قَالَ لَا هُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَخِلَافُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فَالْبُيُوعُ يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِشَادَةِ وَلَا يَنْقُضُهَا الْكِتْمَانُ أَوْ تَكُونُ سُنَّتُهُ الشُّهُودَ وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ مَا لَمْ يُعْقَدْ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا شُهُودٍ لَمْ تُجْزِهِ الْإِشَادَةُ وَالْإِشَادَةُ غَيْرُ شَهَادَةٍ.
قُلْت لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ خَطَأً عِنْدَك فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ وَبِالسُّنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute