لِلْحَيْضَةِ فِيهَا، وَمَنْ قَالَ تَأْتِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ جَعَلَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ عَلَيْهَا. أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّهَا لَا تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ إلَّا مَرَّةً أَمَا يَكُونُ مَنْ جَعَلَهَا تَعْتَدُّ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ جَعَلَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ عَلَيْهَا؟ وَلَكِنْ لَوْ ارْتَابَتْ مِنْ نَفْسِهَا اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنْ الرِّيبَةِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِدَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَتْ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ بِحَيْضَةٍ وَحَيْضٍ ثُمَّ ارْتَابَتْ اسْتَبْرَأَتْ مِنْ الرِّيبَةِ.
(قَالَ): وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا حَتَّى يَكُونَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي حَالٍ لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِيهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ فَكَانَ فِي الصِّحَّةِ مُطَلِّقًا وَلَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا لَوْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ.
(قَالَ): وَلَوْ طَلَّقَهَا لَا يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا تَرِثُهُ وَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةً.
هَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) وَقَدْ اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ فَقَالَ لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ طَلَّقَهَا مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا.
(قَالَ الرَّبِيعُ) مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَلَوْ قَذَفَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا فَلَمَّا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَةَ فَقَالَ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ} وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الزَّوْجَةَ فَكَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَمْ تَرِثْ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ طَلَّقَهَا عَلَى أَهَنَّا لَا تَرِثُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا إنْ نَكَحَتْ فَاَلَّذِي أَخْتَارُ إنْ وَرِثَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَنْ تَرِثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَلَا تَرِثُهُ فَتَرِثُ زَوْجَيْنِ وَتَكُونُ كَالتَّارِكَةِ لِحَقِّهَا بِالتَّزْوِيجِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَرِثُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَدَدًا وَتَرِثُ أَزْوَاجًا، وَقَالَ غَيْرُهُمْ تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ بَعْدَهَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً لَمْ تَرِثْهُ فِي عِدَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قَالَ بِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْآثَارِ وَالنَّظَرِ فَقَالَ: وَكَيْفَ تَرِثُهُ امْرَأَةٌ لَا يَرِثُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ ذِكْرُهُ الْأَزْوَاجَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَجَعَلَ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْعِدَّةَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا تَعْتَدُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَكَيْفَ تَرِثُهُ مَنْ لَا تَعْتَدُّ مِنْهُ مِنْ وَفَاتِهِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ تَعْتَدُّ فَكَيْفَ تَعْتَدُّ مِنْهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ؟ وَإِنْ مَضَتْ بِهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ قَبْلَ مَوْتِهِ أَفَتَعْتَدُّ امْرَأَةٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ إذَا مَضَتْ لَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَنَكَحَتْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ أَفَتَعْتَدُّ مِنْهُ إنْ تُوُفِّيَ وَهِيَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ؟ وَمَنْ وَرَّثَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ أُوَرِّثُهَا بِالِاتِّبَاعِ وَلَا أَجْعَلُ عَلَيْهَا عِدَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَإِذَا مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ تَسْتَيْقِنُ مَوْتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
(قَالَ): وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا مَوْتُهُ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَقَدْ مَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَا تَعُودُ لِعِدَّةٍ وَلَا إحْدَادٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْإِسْلَامِ أَمَرْنَاهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَقْضِهَا حَتَّى تَابَ الزَّوْجُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ آخِرِ عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَتَرِثُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute