للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّغِيرُ الذَّلِيلُ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْقَبْصُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا وَالْقَبْضُ الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتَرْمِي بِالْبَعْرَةِ مِنْ وَرَائِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ الْغَايَةَ الَّتِي لَهَا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً زِمَامَ الزَّوْجِ بِطُولِ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ كَمَا تَرَكَتْ الْبَعْرَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَوْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الزَّوْجُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَنَةً فَأَقَرَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ فِي غَيْرِ عِدَدِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكٌ لِزِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ بِزِينَةٍ أَوْ طِيبٍ مَعَهَا عَلَيْهَا يَظْهَرُ بِهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا اللُّبْسُ نَفْسُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ فَزِينَةُ الْبَدَنِ الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ فَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ طِيبٍ وَلَا غَيْرِهِ زَيْتٍ وَلَا شَيْرَقٍ وَلَا غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ تَقُومُ مَقَامًا وَاحِدًا فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ، وَإِذْهَابُ الشَّعْرِ كَرُّهَا وَذَلِكَ هُوَ الزِّينَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ وَهَكَذَا رَأَيْت الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي بِأَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنِ طِيبٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّرْجِيلِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ.

(قَالَ): فَأَمَّا بَدَنُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْهُنَهُ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَا لَا طِيبَ فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ كَمَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَادُّ تُخَالِفُ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ زِينَةٍ لِلْبَدَنِ وَلَا طِيبٍ تَظْهَرُ رِيحُهُ فَيَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا، فَأَمَّا الدُّهْنُ الطَّيِّبُ وَالْبَخُورُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِبَدَنِهَا لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ طِيبٌ يَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا وَيُنَبِّهُ بِمَكَانِهَا وَإِنَّمَا الْحَادُّ مِنْ الطِّيبِ شَيْءٌ أَذِنَتْ فِيهِ الْحَادُّ وَالْحَادُّ إذَا مَسَّتْ الطِّيبَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ وَلَمْ يُنْتَقَضْ إحْدَادُهَا وَقَدْ أَسَاءَتْ.

(قَالَ): وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ لَهَا مِثْلُ الْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ فِي عَيْنِهَا، فَأَمَّا الْكُحْلُ الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِينَةٌ بَلْ هُوَ يَزِيدُ الْعَيْنَ مُرَّهَا وَقُبْحَهَا وَمَا اضْطَرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ اللَّيْلَ وَمَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ وَمَا أَرَادَتْ بِهِ الدَّوَاءَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ يُطَيِّبُ وَأُذِنَ لَهَا أَنْ تَجْعَلَهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ فِي بَدَنِهَا شَيْءٌ لَا يُرَى فَجَعَلَتْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَأَمَرَهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ.

(قَالَ): وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ. إحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ عَلَى اللَّابِسِ الَّتِي تَجْمَعُ الْجَمَالَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ الثِّيَابُ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزْيِينَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا تَقُولُ تَزَيَّنَّ مَنْ زَيَّنَ الثِّيَابَ الَّتِي هِيَ الزِّينَةُ بِأَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّبْغِ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ وَإِنْ جَادَ مِنْ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ مَنْسُوجٍ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صِبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ مَرْوِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>