للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقِ: الرَّجْعَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ أَرَادَ الرَّجْعَةَ فَهِيَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَهَا لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَالَ): وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلُّ زَوْجَةٍ تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ.

(قَالَ): وَطَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ. فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً فَهُوَ كَالْحُرِّ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مِنْ رَجْعَتِهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ مَا يَمْلِكُ الْحُرُّ مِنْ رَجْعَةِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ الْكَافِرُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجٍ عَلَى امْرَأَتِهِ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ جَعَلَ الرَّجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا بَعْدَهَا مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.

كَيْفَ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الزَّوْجَ أَحَقَّ بِرَجْعَةِ امْرَأَتِهِ فِي الْعِدَّةِ كَانَ بَيْنَهَا أَنْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ الرَّجْعَةَ وَلَا لَهَا عِوَضٌ فِي الرَّجْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا لَهُ عَلَيْهَا لَا لَهَا عَلَيْهِ وَلَا أَمْرَ لَهَا فِيمَا لَهُ دُونَهَا، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} كَانَ بَيْنَهَا أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هُوَ بِالْكَلَامِ دُونَ الْفِعْلِ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ رَدٌّ بِلَا كَلَامٍ فَلَا تَثْبُتُ رَجْعَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ كَمَا لَا يَكُونُ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِمَا فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَالْكَلَامُ بِهَا أَنْ يَقُولَ قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ قَدْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ قَدْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ قَدْ ارْتَجَعْتهَا إلَيَّ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَذَا فَهِيَ زَوْجَةٌ، وَلَوْ مَاتَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ رَجْعَةً فَهِيَ رَجْعَةٌ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا.

(قَالَ): وَلَوْ طَلَّقَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ فَرَدَّهَا إلَيْهِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَنْوِيهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالرَّجْعَةِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ رَجْعَةً حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهَا.

(قَالَ): وَإِذَا جَامَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَنْوِيهَا فَالْجِمَاعُ جِمَاعُ شُبْهَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا فِيهِ، وَيُعَزَّرُ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ عَالِمَةً، وَلَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ.

(قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إذَا قَالَ قَدْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً حَتَّى يَنْوِيَ بِهَا رَجْعَتَهَا فَإِذَا قَالَ قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا هَذَا تَصْرِيحُ الرَّجْعَةِ كَمَا لَا يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِتَصْرِيحِ النِّكَاحِ أَنْ يَقُولَ قَدْ تَزَوَّجْتهَا أَوْ نَكَحْتهَا فَهَذَا تَصْرِيحُ النِّكَاحِ وَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِأَنْ يَقُولَ قَدْ قَبِلْتهَا حَتَّى يُصَرِّحَ بِمَا وَصَفْت لِأَنَّ النِّكَاحَ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ فَالتَّحْلِيلُ بِالتَّحْلِيلِ شَبِيهٌ فَكَذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يُقَاسَ بِالتَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ كَمَا لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْتُك أَوْ اذْهَبِي أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَدْ رَدَدْتُك إلَيَّ الرَّجْعَةَ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً يَنْوِي بِهِ الرَّجْعَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَاعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ فَحُكْمُنَا أَنْ لَا رَجْعَةَ إلَّا بِكَلَامٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا تَنْكِحُ حَتَّى تُكْمِلَ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَا تَكُونُ كَالْمَرْأَةِ تَعْتَدُّ مِنْ رَجُلَيْنِ فَتَبْدَأُ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ فَتُكْمِلُهَا ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ لِلْآخَرِ عِدَّةً لِأَنَّ تَيْنِكَ الْعِدَّتَيْنِ لِحَقٍّ جُعِلَ لِرَجُلَيْنِ وَفِي ذَلِكَ نَسَبٌ يَلْحَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>