قَاتِلٌ وَعَلَى كُلِّهِمْ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ مِائَةَ جُرْحٍ وَآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ وَكَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَدَ مَا جَرَحَهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضَرَبُوا عُنُقَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَرَحَهُ جُرْحًا جَائِفَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَوْ جَائِفَةً نَافِذَةً كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحَهُ جَائِفَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ أَوْ جَائِفَةً نَافِذَةً. وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ لَمْ أَمْنَعْهُ أَنْ يَصْنَعَ هَذَا وَلَا آمُرُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِيَّ الْقَتِيلِ أَنْ يَلِيَهُ بِنَفْسِهِ إنَّمَا آمُرُ بِهِ مَنْ يُبْصِرُ كَيْفَ جَرَحَهُ فَأَقُولُ: اجْرَحْهُ كَمَا جَرَحَهُ فَإِذَا بَقِيَ ضَرْبُ الْعُنُقِ خَلَّيْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَطَعَ يَدَهُ بِنِصْفِ الذِّرَاعِ لَمْ أَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَكَانَهُ وَإِنَّمَا أَمْنَعُهُ إذَا كَانَ جُرْحًا لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ قِصَاصٌ. وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَوْ جَرَحَهُ اقْتَصَّ بِهِ مِنْهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَصْنَعَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ جَرَحَهُ بِهِ دُونَ النَّفْسِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَدَعُ قَتْلَهُ فَيَكُونُ قَدْ عَذَّبَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا وَيُقَالُ لَهُ الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ.
وَإِذَا جَرَحَ الثَّلَاثَةُ رَجُلًا جِرَاحَ عَمْدٍ بِسِلَاحٍ وَكَانَ ضَمِنَا حَتَّى مَاتَ وَقَدْ بَرَأَتْ جِرَاحُ أَحَدِهِمْ وَلَمْ تَبْرَأْ جِرَاحُ الْبَاقِينَ فَعَلَى الْبَاقِينَ الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ عَلَى الَّذِي بَرَأَتْ جِرَاحُهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ إنْ كَانَ مِمَّا يُقْتَصُّ مِنْهُ أَوْ الْعَقْلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ عَقْلُ ذَلِكَ الْجُرْحِ بَالِغًا مَا بَلَغَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِرَاحُهُ تَبْلُغُ دِيَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ جَانِي جِرَاحٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْسٌ. وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ جَرَحَهُ مَرَّاتٍ وَصَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ فَهَكَذَا، وَلَوْ كَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ مَعَهُ لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَاتِلًا مَعَهُمْ لَمْ يَدْرَأْ عَنْهُمْ الْقَتْلَ فَلَا مَعْنَى لتكذيبهموه إذَا أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ صَدَّقَهُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَكَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ مَعَهُ وَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ: نَحْنُ نَأْخُذُ الدِّيَةَ كَامِلَةً مِنْ الْقَاتِلِينَ الَّذِينَ جَرَحْت مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُقِرُّوا أَنَّ جِرَاحَهُ قَدْ بَرَأَتْ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ إذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَإِذَا بَرَأَتْ جِرَاحُهُ لَزِمَهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا بِإِقْرَارِهِمَا الدِّيَةَ تَامَّةً؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ دُونَهُ أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ فَيَخْرُجُ الثَّالِثُ مِنْ الْقَتْلِ مَعَهُمَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا.
وَلَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ فَأَقَرَّ اثْنَانِ أَنَّ جِرَاحَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ بَرَأَتْ وَمَاتَ مِنْ جِرَاحِهِمَا وَادَّعَى ذَلِكَ الْجَانِي الَّذِي أَقَرَّا لَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ، وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمُقِرَّيْنِ أَنَّ جِرَاحَ الْجَارِحِ مَعَهُمَا بَرَأَتْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا ثُلُثَا الدِّيَةِ فَبُرْؤُهُمَا مِمَّا سِوَاهُ إذَا سَأَلَ ذَلِكَ الْقَاتِلَانِ.
وَلَوْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ كَانَ ثُلُثُهَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَثُلُثَاهَا عَلَى الْحُرَّيْنِ، وَإِذَا أَفْلَسَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا أَتْبَعُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَحْرَارِ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ - شَيْءٌ بِحَالٍ. وَقَدْ قِيلَ: هَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقِتْلَةُ عَمْدًا وَفِيهِمْ مَجْنُونٌ أَوْ صِبْيَانٌ أَوْ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا فِي أَمْوَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَدْ قِيلَ: تَحْمِلُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ عَمْدَهُ كَمَا يَحْمِلُونَ خَطَأَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -، وَإِذَا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جِرَاحًا كَثِيرَةً وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَأَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ الْقَوَدَ فَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا الْعَقْلَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ إذَا كَانَتْ نَفْسًا فَسَوَاءٌ فِي الْغَرَامَةِ الَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْقَلِيلَةَ وَاَلَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْكَثِيرَةَ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَهُوَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَدَيْنٌ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute