عَنْ أَبِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَمْ أَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي السِّنِّ بِخَمْسٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ أَقُولُ فَالثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَغَيْرُهُ أَسْنَانٌ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا قُلِعَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لَا يَفْضُلُ مِنْهَا سِنٌّ عَلَى سِنٍّ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ فَرَدَّنِي إلَيْهِ مَرْوَانُ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ): وَالدِّيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ عَلَى الْعَدَدِ لَا عَلَى الْمَنَافِعِ.
(قَالَ): وَفِي سِنِّ مَنْ قَدْ ثَغَرَ وَاسْتُخْلِفَ لَهُ مِنْ بَعْدِ سُقُوطِ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ نَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَقْلِ وَقَدْ قِيلَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَإِذَا أَثْغَرَ الرَّجُلُ وَاسْتُخْلِفَتْ أَسْنَانُهُ فَكَبِيرُهَا وَمُتَرَاصِفُهَا وَصَغِيرُهَا وَتَامُّهَا وَأَبْيَضُهَا وَحَسَنُهَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيمَا خُلِقَ مِنْ الْأَعْيُنِ وَالْأَصَابِعِ الَّتِي يَخْتَلِفُ حُسْنُهَا وَقُبْحُهَا. وَأَمَّا إذَا نَبَتَتْ الْأَسْنَانُ مُخْتَلِفَةً يَنْقُصُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ نَقْصًا مُتَبَايِنًا نَقَصَ مِنْ أَرْشِ النَّاقِصَةِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَتْ عَنْ قَرِينَتِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ تَنْقُصُ عَنْ الَّتِي هِيَ قَرِينَتُهَا، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثَيْهَا أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا تَفَاوَتَ النَّقْصُ فِيهِمَا فَنُزِعَتْ النَّاقِصَةُ مِنْهُمَا فَفِيهَا مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ نَقْصِهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ كَانَ نَقْصُهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا مُتَقَارِبًا كَمَا يَكُونُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَنَقْصِ الْأُشُرِ وَدُونِهِ فَنُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهَكَذَا هَذَا فِي كُلِّ سِنٍّ نَقَصَتْ عَنْ نَظِيرَتِهَا كَالرَّبَاعِيَتَيْنِ تَنْقُصُ إحْدَاهُمَا عَنْ خِلْقَةِ الْأُخْرَى وَلَا تُقَاسُ الرَّبَاعِيَةُ بِالثَّنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّبَاعِيَةَ أَقْصَرُ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلَا أَعْلَى الْفَمِ مِنْ الثَّنَايَا وَغَيْرِهَا بِأَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّ ثَنِيَّةَ أَعْلَى الْفَمِ غَيْرُ ثَنِيَّةِ أَسْفَلِهِ.
وَتُقَاسُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْت. وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ ثَنِيَّتَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مَخْلُوقَةً خِلْقَةَ ثَنَايَا النَّاسِ تَفُوتُ الرَّبَاعِيَةُ فِي الطُّولِ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَطُولُ بِهِ الثَّنِيَّةُ الرَّبَاعِيَةَ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى تَفُوتُهَا فَوْتًا دُونَ ذَلِكَ فَنُزِعَتْ الَّتِي هِيَ أَطْوَلُ كَانَ فِيهَا أَرْشُهَا تَامًّا، وَفَوْتُهَا لِلْأُخْرَى التَّامَّةِ كَالْعَيْبِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ. وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الزَّائِدَةُ أَوْ أَصَابَتْ صَاحِبَتُهَا عِلَّةٌ فَزَادَتْ طُولًا أَوْ نَبَتَتْ هَكَذَا فَإِذَا أُصِيبَتْ هَذِهِ الطَّائِلَةُ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا الْأُخْرَى فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا أُصِيبَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا بِقِيَاسِهَا وَيُقَاسُ السِّنُّ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ اللِّثَة مِنْهَا. فَإِذَا أَصَابَ اللِّثَةَ مَرَضٌ فَانْكَشَفَتْ عَنْ بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا انْكَشَفَتْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا فَأُصِيبَتْ سِنُّ مِمَّا انْكَشَفَتْ عَنْهَا اللِّثَةُ فَيَبِسَتْ السِّنُّ بِمَوْضِعِ اللِّثَةِ قَبْلَ انْكِشَافِهَا، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ وَإِذَا قَالَ مَا لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأُعْطِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ لِثَتِهِ لَمْ يَنْكَشِفْ عَمَّا بَقِيَ مِنْ أَسْنَانِهِ وَإِنْ انْكَشَفَتْ اللِّثَةُ عَنْ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ فَهَكَذَا أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ بِاللِّثَةِ مَرَضًا يَنْكَشِفُ مِثْلُهَا بِمِثْلِهِ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هَكَذَا خُلِقَتْ وَقَالَ الْجَانِي بَلْ هَذَا عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أَسْنَانٌ قِصَارٌ كُلُّهَا مِنْ أَعْلَى وَالسُّفْلَى طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ مِنْ أَسْفَلَ وَالْعُلْيَا طِوَالٌ أَوْ قِصَارٌ فَسَوَاءٌ وَلَا تُعْتَبَرُ أَعَالِي الْأَسْنَانِ بِأَسَافِلِهَا فِي كُلِّ سِنٍّ قُلِعَتْ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُقَدَّمُ الْفَمِ مِنْ أَعْلَى طَوِيلًا وَالْأَضْرَاسُ قِصَارٌ أَوْ مُقَدَّمُ الْفَمِ قَصِيرًا وَالْأَضْرَاسُ طِوَالٌ كَانَتْ فِي كُلِّ سِنٍّ أُصِيبَتْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَيُعْتَبَرُ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ عَلَى مُقَدَّمِهِ فَلَوْ نَقَصَتْ ثَنَايَا رَجُلٍ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا مُتَفَاوِتًا كَمَا وَصَفْت نَقَصَ مِنْ دِيَةِ النَّاقِصِ مِنْهَا بِقَدْرِهِ أَوْ كَانَتْ ثَنِيَّتُهُ تَنْقُصُ عَنْ رَبَاعِيَتِهِ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَأُصِيبَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute