عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَنَّهُ قَالَ «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَهَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْجَلْدُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا كَانَ قَدْ أَحْصَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَلْدًا وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَيْسًا أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ مَنْسُوخٌ عَنْ الثَّيِّبِ، وَكُلُّ الْأَئِمَّةِ عِنْدَنَا رَجَمَ بِلَا جَلْدٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا أَنْفِي أَحَدًا فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ: وَلِمَ رَدَدْت النَّفْيَ فِي الزِّنَا وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّاسِ عِنْدَنَا إلَى الْيَوْمِ؟ قَالَ رَدَدْته؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقُلْت لَهُ سَفَرُ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ حِيطَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا مِنْ الْأَسْفَارِ. وَقَدْ نُهِيَتْ أَنْ تَخْلُوَ فِي الْمِصْرِ بِرَجُلٍ وَأُمِرَتْ بِالْقَرَارِ فِي بَيْتِهَا. وَقِيلَ لَهَا صَلَاتُكَ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ لِئَلَّا تَعْرِضِي أَنْ تُفْتَتَنِي وَلَا يَفْتَتِنُ بِكَ أَحَدٌ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُهَا بِسَبِيلٍ. أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَسْتَخِفُّ بِخِلَافِ السُّنَّةِ لَا أَجْلِدُهَا يَمْجُنُ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا تَرْكُ الْحُجَّةِ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ. أَوْ رَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت فِي النَّفْيِ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» مَا هُوَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا قَالَ: إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَعْنَى أَنَّ فِي النَّفْيِ سَفَرًا قُلْنَا: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَدِيثَانِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَزَلْت أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا: إذَا كَانَ النَّفْيُ مِنْ أَثْبَتِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ عِنْدَنَا أَنْ نَقُولَ كَمَا قُلْت: لَمَّا اجْتَمَعَا فِي أَنَّ فِيهِ سَفَرًا أَبَحْنَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، قَالَ: لَا قُلْنَا فَلِمَ كَانَ لَكَ أَنْ تُزِيلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَنَا عَلَيْكَ؟ وَقُلْت أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت بِأَنَّكَ تَرَكْت النَّفْيَ؛ لِأَنَّ فِيهِ سَفَرًا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إنْ زَنَتْ بِكْرٌ بِبَغْدَادَ فَجَلَدْتهَا فَجَاءَ أَبُوهَا وَإِخْوَتُهَا وَعَدَدٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ مَحْرَمٌ لَهَا فَقَالُوا قَدْ فَسَدَتْ بِبَغْدَادَ وَأَهْلُهَا بِالْمَدَائِنِ وَأَنْتَ تُبِيحُ السَّفَرَ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَى مَا يَبْعُدُ وَتُبِيحُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ. وَقَدْ اجْتَمَعَ لَكَ الْأَمْرَانِ فَنَحْنُ ذَوُو مَحْرَمٍ فَتَنْفِيهَا عَنْ بَغْدَادَ فَتَخْرُجُ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَى شَهْرٍ قَدْ تُبِيحُهُ لَهَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَى أَهْلِهَا وَتُنَحِّيهَا عَنْ بَلَدٍ قَدْ فَسَدَتْ بِهِ وَلَا تَزَالُ بِذَلِكَ مُنْعِمًا عَلَيْنَا قَالَ لَا أَنْفِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا أَنْفِيهَا قُلْنَا: فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ اعْتَلَلْت بِهِمَا فَلَوْ كُنْت تَرَكْت النَّفْيَ لَهَا مِنْ أَجْلِهِمَا نَفَيْتهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَقُلْنَا لَهُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ بِبَادِيَةٍ لَا قَاضِيَ عِنْدَ قَرْيَتِهَا إلَّا عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَادَّعَى عَلَيْهَا مُدَّعٍ حَقًّا أَوْ أَصَابَتْ حَدًّا. قَالَ تُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي قُلْنَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَقَدْ أَبَحْت لَهَا أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ. قَالَ هَذَا يَلْزَمُهَا قُلْنَا: فَهَذَا يَلْزَمُهَا بِرَأْيِكَ فَأَبَحْته لَهَا وَمَنَعْتهَا مِنْهُ فَمَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِيهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْنَا أَرَأَيْت إذَا اعْتَلَلْت فِي الْمَرْأَةِ بِمَا اعْتَلَلْت بِهِ أَيَحْتَاجُ الرَّجُلُ إلَى ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَ: لَا قُلْنَا: فَلِمَ لَمْ تَنْفِهِ؟ قَالَ إنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِذَا زَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا زَالَ عَنْ الْآخَرِ قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ شُبَهِكُمْ الَّتِي تَعْتَلُّونَ بِهَا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مُخْطِئُونَ فِيهَا أَوْ تَعْنُونَ مَوْضِعَ الْخَطَأِ. قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْنَا مَا نَقُولُ فِي ثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِبِكْرٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِأَمَةٍ وَثَيِّبٍ حُرٍّ زَنَى بِمُسْتَكْرَهَةٍ؟ قَالَ عَلَى الثَّيِّبِ فِي هَذَا كُلِّهِ الرَّجْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute