للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّهُ تَوَلَّى سَرَائِرَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ وَتَوَلَّى دُونَهُمْ السَّرَائِرَ لِانْفِرَادِهِ بِعِلْمِهَا وَهَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ. وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ " أَسْلَمْنَا "، قَالَ أَسْلَمْنَا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَدَدِ آيٍ مِنْ كِتَابِهِ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِالشِّرْكِ وَأَخْبَرَنَا بِأَنْ قَدْ جَزَاهُمْ بِعِلْمِهِ عَنْهُمْ بِالدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ فَقَالَ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْآخِرَةِ النَّارُ بِعِلْمِهِ أَسْرَارَهُمْ وَأَنَّ حُكْمَهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا إنْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ جُنَّةٌ لَهُمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ طَائِفَةٍ غَيْرِهِمْ فَقَالَ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْهُمْ وَعَنْ الطَّائِفَةِ مَعَهُمْ مَعَ مَا حَكَى مِنْ كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ مُنْفَرِدًا وَحَكَى مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَ مَنْ حَكَى مِنْ الْأَعْرَابِ وَكُلَّ مَنْ حَقَنَ دَمَهُ فِي الدُّنْيَا بِمَا أَظْهَرَ مِمَّا يَعْلَمُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خِلَافَهُ مِنْ شِرْكِهِمْ لِأَنَّهُ أَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ عَلَى السَّرَائِرِ غَيْرَهُ وَأَنْ قَدْ وَلَّى نَبِيَّهُ الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَاشَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يَحْبِسْهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ سَهْمَهُ فِي الْإِسْلَامِ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَلَا مُنَاكَحَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَمُوَارَثَتَهُمْ وَالصَّلَاةَ عَلَى مَوْتَاهُمْ وَجَمِيعَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يُظْهَرُ بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ بِالشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلَعَلَّ مَنْ سَمَّيْت لَمْ يُظْهِرْ شِرْكًا سَمِعَهُ مِنْهُ آدَمِيٌّ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمْ فَقَدْ سُمِعَ مِنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ الشِّرْكُ وَشَهِدَ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمْ مَنْ جَحَدَهُ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَظْهَرَ وَلَمْ يَقِفْهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ أَقَرَّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَظْهَرَ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ (أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ شَهِدْت مِنْ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ كَافِرُونَ} قِيلَ فَهَذَا يُبَيِّنُ مَا قُلْنَا وَخِلَافَ مَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا، فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ وَقَضَى أَنْ لَا يَغْفِرَ لِلْمُقِيمِ عَلَى شَرٍّ فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يُغْفَرُ لَهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ لَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُبَاحٌ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا قَامَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ مَعْنًى يُغَيِّرُ ظَاهِرَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>