للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): مَا يَزِيدُ قَوْلُهُ قَوْلَنَا قُوَّةً وَلَا خِلَافُهُ وَهْنًا وَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ خَالَفْتُمْ فِي الْمُرْتَدِّ أَيْضًا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قُلْت أَلَيْسَ الْأَحْيَاءُ مَالِكِينَ أَمْوَالَهُمْ؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَإِنَّمَا نَقَلَ اللَّهُ مِلْكَ الْأَحْيَاءِ إلَى وَرَثَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَالْحَيُّ خِلَافُ الْمَيِّتِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُرْتَدَّ مَعَنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَسِيرًا أَوْ هَارِبًا أَوْ مَعْتُوهًا بَعْدَ الرِّدَّةِ أَلَيْسَ عَلَى مِلْكِ مَالِهِ لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ حَيٌّ وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ؟ قَالَ بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا ارْتَدَّ بطرسس وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ نَرَاهُ فَتَرَهَّبَ أَوْ كَانَ يُقَاتِلُ وَنَحْنُ نَرَاهُ أَيُشَكُّ أَنَّهُ حَيٌّ؟ قَالَ لَا قُلْت وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْمَوْتَى قَالَ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ الْمَيِّتُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ فِي لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِهِ أَيُشْكِلُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ وَرَّثْت مِنْ حَيٍّ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ الْمَوْتَى، وَالْمَوْتَى خِلَافُ الْأَحْيَاءِ وَفِي تَوْرِيثِك مِنْ حَيٍّ خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدُّخُولُ فِيمَا عِبْت عَلَيَّ مِنْ سِجِلٍّ أَنَّك تَتَّبِعُ حُكْمَهُ؟ قَالَ وَمَنْ هُوَ؟ قُلْت عُمَرُ وَعُثْمَانُ قَضَيَا فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى ثُمَّ تُنْكَحُ وَالْمَفْقُودُ مَنْ لَا يُسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ وَقَدْ يَكُونُ الْأَغْلَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا بِأَشْيَاءَ مِنْ عَجْزٍ عَنْ جِمَاعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ نَفْيًا لِلضَّرَرِ وَفِي ذَهَابِهِ مَفْقُودًا ضَرَرٌ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ فَقُلْت لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهَا تُنْكَحُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِنْ طَالَتْ حَتَّى تَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مَوْتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قُلْت بِرَأْيِك لَا مُتَقَدِّمٌ لَك فِيهِ وَقَضَيْت قَوْلَك وَحْدَك تُورَثُ مِنْ الْحَيِّ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَوْتَى فَلَوْ لَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ هَذَا كُنْت لَمْ تَعِبْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ شَيْئًا إلَّا دَخَلْت فِي أَعْظَمَ مِنْهُ وَأَوْلَى بِالْعَيْبِ وَقُلْت لَهُ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَا كِتَابَ فِيهِ وَلَا سُنَّةَ لَا يَجُوزُ إلَّا خَبَرًا لَازِمًا أَوْ قِيَاسًا فَقَوْلُك فِي الْمَرْأَةِ لَا تُقْتَلُ خَبَرٌ؟ قَالَ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ أَقْدَرِ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ.

قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا هَرَبَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَتَقْدِرُ فِي حَالِ هَرَبِهِ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ اسْتِتَابَتِهِ؟ قَالَ لَا قُلْت وَكَذَلِكَ لَوْ عَتِهَ بَعْدَ الرِّدَّةِ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِمَعْنَى لَمْ تَكُنْ قَادِرًا عَلَى قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْعِلَّةُ الَّتِي اعْتَلَلْت بِهَا مِنْ أَنَّك لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا اسْتِتَابَتِهِ فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَلَا نَرَاكَ قَسَمْت مِيرَاثَهُ فِيهِمَا وَحَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى فَلَا أَسْمَعُ قَوْلَك مَعَ خِلَافِهِ الْكِتَابَ إلَّا يَتَنَاقَصُ وَهَذَا الَّذِي عِبْت عَلَى غَيْرِك أَقَلُّ مِنْهُ.

(قَالَ): وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ رِدَّتُهُ وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ تُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى أَمَا كَانَ يَلْزَمُك لَوْ رَجَعَ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَائِبًا أَنْ تُمْضِيَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى؟ قَالَ لَا أُمْضِي ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَجَعَ قُلْت فَرِدَّتُهُ إذَا عَتِهَ وَلُحُوقُهُ لَا يُوجِبَانِ حُكْمَ الْمَوْتَى عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا حَكَمْت عَلَيْهِ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ حُكْمَ الْمَوْتَى فَأَعْتَقْت أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَأَحْلَلْت دِيَتَهُ الْبَعِيدَ الْأَجَلِ وَقَسَمْت مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا وَذَلِكَ كُلُّهُ قَائِمٌ فِي أَيْدِي مَنْ أَخَذَهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَالْمُدَبَّرُونَ حُضُورٌ هَلْ يَجُوزُ فِي حُكْمٍ مَضَى إلَّا أَنْ تَرُدَّهُ أَوْ تُنْفِذَهُ؟ قَالَ لَا قُلْت فَقُلْ فِي هَذَا أَيَّهُمَا شِئْت إنْ شِئْت فَهُوَ نَافِذٌ وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَرْدُودٌ قَالَ بَلْ نَافِذٌ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلَا يَرْجِعُونَ رَقِيقًا وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>