للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَاؤُك كَمَا لَا يَرْجِعُ إلَيَّ مِلْكُك فَكَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ فِيهِ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عِنْدَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الشَّرْطُ بِأَنَّ الْعِتْقَ سَائِبَةٌ لَا يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ شَرْطًا مُبْطِلًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا {وَلا سَائِبَةٍ} لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ بِرًّا كَمَا لَمْ تَكُنْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ عَلَى مَا جَعَلَ مَالِكُهَا مِنْ تبحيرها وَتَوْصِيلِهَا وَحِمَايَةِ ظُهُورِهَا فَلَمَّا أَبْطَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ شَرْطَ مَالِكِهَا فِيهَا كَانَتْ عَلَى أَصْلِ مِلْكِ مَالِكِهَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَالِكُهَا مَا قَالَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَتُوجِدُنِي فِي كِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ هَذَا بَيَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ فِي شَيْءٍ أَخْرَجَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِتْقِ بَنِي آدَمَ رَجَعَ إلَى أَصْلِ مِلْكِهِ؟ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} وَفِي الْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَالْبَائِعُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا وَالْبَيْعُ فِيهِ صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ تُنْكَحُ نِكَاحًا فَاسِدًا هِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَا زَوْجَ لَهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَحْتَمِلُ لِقَائِلٍ لَوْ قَالَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي السَّائِبَةِ كَمَا أَبْطَلَهُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَكُلُّهَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهَا لِمَالِكِهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ وَلَا عِتْقَ لِلسَّائِبَةِ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ فِيهَا وَاحِدٌ.

(قَالَ): وَهَذَا قَوْلٌ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَةُ لَا يَقُومُ وَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا يَقُولُ بِهِ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَبْلَهُ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلَا تَكُونُ إلَّا مَمْلُوكَةً لِلْآدَمِيَّيْنِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا مِنْهُمْ إلَّا إلَى مَالِكٍ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُ السَّائِبَةِ إذَا كَانَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ قَبْلَ التَّسْيِيبِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لَا تَمْلِكُ أَنْفُسَهَا كَهِيَ وَإِذَا كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُخْرِجُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهِ لِلْآدَمِيِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا كَمَا يَكُونُ مُعْتِقُهُ مَالِكًا وَكَانَ الَّذِي أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ السَّائِبَةِ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ خَارِجًا مِنْ وَلَائِهِ بِشَرْطِهِ ذَلِكَ فِي عِتْقِهِ وَأَقَرَّ وَلَاءَهُ لِمُعْتِقِهِ كَمَا أَقَرَّ مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ لِمَالِكِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَلْ عَلَى مَا وَصَفْت دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تُبَيِّنُ مَا قُلْت مِنْ خِلَافِ بَنِي آدَمَ لِلْبَهَائِمِ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ؟ قِيلَ نَعَمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلَى قَوْلِهِ {ذَا مَتْرَبَةٍ} وَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامِ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُظَاهَرَةِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَقَالَ فِي الْحَالِفِ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَكَانَ حُكْمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا مَلَّكَهُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ مِلْكِهِمْ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَكُّ الْمِلْكِ عَنْهُمْ بِالْعِتْقِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِرًّا جَائِزًا وَلَا يَمْلِكُهُمْ آدَمِيٌّ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَالِكُهُمْ إلَى آدَمِيٍّ مِثْلِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ بِأَيِّ وَجْهٍ صَيَّرَهُمْ إلَيْهِ قَالَ فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - فِي الْبَهَائِمِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَا تُزَايِلُ مِلْكَ صَاحِبِهَا مَا كَانَ حَيًّا إلَّا إلَى مَالِكٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ يَقُولُ فِيهِ قَدْ أَخْرَجْتهَا مِنْ مِلْكِي وَكَانَ هَكَذَا كُلُّ مَا سِوَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَمْلِكُ بَنُو آدَمَ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَلَالَةً بِمَا ذَكَرْت فِيمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَمَتَاعٍ وَمَالٍ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ قَالَ لِمَمَالِيكِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقُوا وَلَوْ قَالَ لِمِلْكِهِ مِنْ الْبَهَائِمِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ لَمْ تُعْتَقْ بَهِيمَةٌ وَلَا غَيْرُ آدَمِيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>