رَسُولِهِ وَزَادَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ رَأْيًا آخَرَ عَلَى حِيَالِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ وَلَا أَثَرٍ فَإِذَا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا الْأَصْلَانِ وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لَا عَلَى غَيْرِهِمَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ هَذَا قِيلَ مِثْلُ الْكَعْبَةِ مَنْ رَآهَا صَلَّى إلَيْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِالدَّلَائِلِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ صَلَّى غَائِبًا عَنْهَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلَائِلِ عَلَيْهَا كَانَ مُخْطِئًا وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَذَلِكَ. وَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مُخْطِئًا. وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ عَلَى أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا فَيُهْدِيه. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الِاجْتِهَادَ إلَّا عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ فَأَمَرَ بِالْمِثْلِ عَلَى الْأَصْلِ لَيْسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ. وَمِثْلُ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَلَوْ جَازَ الِاجْتِهَادُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لَجَازَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِغَيْرِ إخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ آلَةُ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ اجْتِهَادُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ مَنْ قَدْ اجْتَهَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي إخْبَارِهِ عَلَى غَيْرِ اجْتِهَادٍ عَلَى الْأَصْلِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ حَلَالٌ لِي وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَهَا إلَّا فِي وَقْتِهَا وَفِي إخْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لِرَجُلٍ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ وَاحِدَةً قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ وَتَحْلِيلَ الْخَامِسَةِ لَهُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَدْ أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلَا يَدْرِي قَدْ أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلَا يَدْرِي أَزَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لَا؟ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ وَلَجَازَ إذَا كَانَتْ دَلَائِلُ الْقِبْلَةِ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَالِاجْتِهَادَ عَلَيْهَا وَيَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ كَمَا إذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَآمُرُهُ يَتْرُكُ الدَّلَائِلَ وَآمُرُهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَهَذَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَكَانَ إذًا يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلِمَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُمَا أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ قِيَاسٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَلَا يَعْدُو أَنْ يُصِيبَ أَوْ يُخْطِئَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي أُمِرَ بِاتِّبَاعِهَا فَيَكُونُ إذَا اجْتَهَدَ عَلَيْهَا مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ فَقَدْ أَبَاحَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَجَهِلَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ مِثْلُ رَأْيِ مَنْ عَلِمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَهُمَا وَاجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِهِمَا جَازَ لَهُ فَمَا مَعْنَى مَنْ عَلِمَهُمَا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُمَا فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا سَوَاءٌ؟ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي عَلِمَهُمَا يَفْضُلُ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُمَا بِمَا نَصَّا فَقَطْ فَأَمَّا بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ قَدْ جَعَلَ الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ فِي دَرْكِ عِلْمِ مَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ سَوَاءً فَكَانَ لِلْجَاهِلِينَ إذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِمَا يُسْتَدْرَكُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ هُوَ فِيهِ وَالْعَالِمُ سَوَاءً وَأَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَالِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ فَأَكْثَرُ حَالَاتِ الْجَاهِلِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ فَاسْتَوَيَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَكَانَ كُلُّ مَنْ رَأَى رَأْيًا فَاسْتَحْسَنَهُ جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَالِمًا جَازَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ يُوجَدُ فِيهِ كِتَابٌ وَسُنَّةٌ نَصًّا وَكَانَ قَدْ جَعَلَ رَأْيَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute