للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكَلِّفْ الطَّالِبَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَحِيفَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ الْقَاضِي لِلطَّالِبِ إنْ شِئْت جِئْت بِصَحِيفَةٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْك، وَكِتَابِ خُصُومَتِك، وَإِلَّا لَمْ أُكْرِهْك، وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْك أَنْ يَشْهَدَ عِنْدِي شَاهِدٌ السَّاعَةَ بِلَا كِتَابٍ، وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ

(قَالَ): وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّاهِدِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ، وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِكُلِّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ لِيَعْرِفَ حُجَّتَهُ فِي شَهَادَاتِهِمْ، وَحُجَّتَهُ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَا يَجْرَحُهُمْ بِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةً عَلَى غَائِبٍ، وَكَتَبَ بِهَا إلَى قَاضٍ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَ الْكِتَابَ لَمْ يُكَلِّفْ الشُّهُودَ أَنْ يَعُودُوا، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ شَهَادَتَهُمْ، وَنُسْخَةَ أَسْمَائِهِمْ، وَأَنْسَابَهُمْ، وَيُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ جَرْحِهِمْ أَوْ الْمَخْرَجِ مِمَّا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِ (قَالَ): وَلَوْ مَضَى الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَنُسْخَةَ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ، وَيُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ مِنْ شَهَادَاتِهِمْ فَإِنْ جَاءَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ

(قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ أَوْ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ لَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي شَهِدَ لَك بِهِ الشُّهُودُ لَعَبْدُك أَوْ دَابَّتُك لَفِي مِلْكِك مَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا مِنْ بَلَدِهِ إلَى كُلِّ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، وَأَحْضَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ دَابَّةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَّامِ يَخْتِمُ فِي رَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَبْعَثُ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا كَفِيلًا يُقَيِّمُهَا فَإِنْ قَطَعَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بَعْدَمَا رَأَيَا سُلِّمَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعُوا رُدَّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إذَا وَافَقَ الصِّفَةَ حَكَمْت لَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْكُمَ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الشُّهُودُ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ تِلْكَ الدَّابَّةُ فَيَشْهَدُوا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْ صَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِهَذَا إذَا كَانَ يَدَّعِيهِ أَوْ يَقْضِي لَهُ بِالصِّفَةِ كَمَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَالٍ يُمْلَكُ مِنْ حَيَوَانٍ، وَغَيْرِهِ

(قَالَ): وَمَا بَاعَ الْقَاضِي عَلَى حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِلْمِ الْقَاضِي هَلْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِكُلِّ مَا عَلِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَغَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ إنَّمَا أُرِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّ مَا ادَّعَى كَمَا ادَّعَى فِي الظَّاهِرِ فَإِذَا قَبِلْته عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الظَّاهِرِ كَانَ عِلْمِي أَكْثَرَ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِشَيْءٍ عَلَى مِثْلِ مَا عَلِمَ فَيَكُونَ عِلْمُهُ، وَجَهْلُهُ سَوَاءً إذَا تَوَلَّى الْحُكْمَ فَيَأْمُرُ الطَّالِبَ أَنْ يُحَاكِمَ إلَى غَيْرِهِ، وَيَشْهَدُ هُوَ لَهُ فَيَكُونُ كَشَاهِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَوَلَّى الْحُكْمَ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا قَالَ شُرَيْحٌ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِعِلْمِهِ فَقَالَ ائْتِ الْأَمِيرَ، وَأَشْهَدُ لَك.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَمَّا عِلْمُهُ بِحُدُودِ اللَّهِ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا لِلْآدَمِيِّينَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَحُقُوقِ النَّاسِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلنَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِلَّهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَالْقَاضِي مُصَدَّقٌ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ لَهُ الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ، وَغَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَهُ فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةً قَامَتْ عِنْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْهَا، وَهَكَذَا كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَنْفَذَ ذَلِكَ، وَهُوَ حَاكِمٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوْرِ فَيَكُونُ مُتَّبِعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ

(قَالَ): وَإِذَا اشْتَرَى الْقَاضِي عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَشِرَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ حَكَمَ رُدَّ حُكْمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ لِوَلَدِهِ أَوْ، وَالِدِهِ، وَمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ شَهَادَتُهُ، وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِكُلِّ مَنْ جَازَتْ لَهُ شَهَادَتُهُ مِنْ أَخٍ، وَعَمٍّ، وَابْنِ عَمٍّ، وَمَوْلًى

(قَالَ الشَّافِعِيُّ):

<<  <  ج: ص:  >  >>