للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ بَدَا فَاسِدًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ فِيمَا سَكَنَ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ الْمَالَ فَأَنْظُرُ أَيُّهُمَا كَانَ أَقْوَى سَبَبًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فَأَجْعَلُهُ لَهُ فَإِذَا اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ الْآخَرِ، وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا تَنَازَعَا الْمَالَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ مَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ قِيلَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ الَّتِي لَا تَجْرِ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا، وَلَا تُدْفَعُ عَنْهَا إذَا كَانَتْ لِلْمُدَّعِي أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي يَدِك مِنْ قِبَلِ أَنَّ كَيْنُونَتَهُ فِي يَدِك قَدْ تَكُونُ، وَأَنْتَ غَيْرُ مَالِكٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ قِيلَ قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى، وَاسْتَوَيْتُمَا فِي الْبَيِّنَةِ، وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ هُوَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِك فَهُوَ لَهُ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ، وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ، وَفِيهِ سُنَّةٌ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ»، وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت فِي النِّتَاجِ، وَفِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً، وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِيمَا سِوَى النِّتَاجِ، وَفِيمَا يَكُونُ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إذَا أَقَامَا عَلَيْهِ بَيِّنَةً كَانَ لِلَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو خَصْمَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَالْآخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الَّذِي تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لَا يَكُونُ إلَّا مَنْ لَا شَيْءَ فِي يَدَيْهِ فَأَمَّا مَنْ فِي يَدَيْهِ مَا يَدَّعِي فَذَلِكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا مُدَّعٍ، وَلَا نَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتُ مَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ، وَقَضَى لَهُ بِهَا، وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي لَيْسَ هِيَ فِي يَدَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هُوَ أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِك أَوْ مَا كَانَ يَلْزَمُك فِي أَصْلِ قَوْلِك أَنْ لَا تَقْبَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهَا لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا تَكَافَأَتَا. قُلْنَا فَإِنْ قُلْته دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ حِينَ اسْتَوَتْ بَاطِلًا.

(قَالَ): وَلَوْ أَقَامَ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْطَلْته، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ نِتَاجٍ أَبْطَلْتهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكَافَأَتْ، وَلَزِمَكَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تُحَلِّفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ (قَالَ): وَلَا أَقُولُ هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا تَكُونُ أَبَدًا إلَّا كَاذِبَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَنْتِجُ مَرَّتَيْنِ. قُلْنَا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَكَيْفَ أَبْطَلْت إحْدَاهُمَا، وَأَحْقَقْت الْأُخْرَى فَأَنْتَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ الَّتِي أَبْطَلْت هِيَ الصَّادِقَةُ، وَاَلَّتِي أَحْقَقْت هِيَ الْكَاذِبَةُ فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ (قَالَ): فَإِنْ قُلْتَ هَذَا لَزِمَنِي مَا قُلْت، وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ. قُلْت بَعْدَ قَطْعِك الْجَوَابَ قَالَ أَسْأَلُك قُلْت: فَسَلْ قَالَ أَفَيُخَالِفُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ فِي النِّتَاجِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟» قُلْنَا: لَا قَالَ فَمَنْ الْمُدَّعِي، وَمَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قُلْت: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ كَانَ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مَعْقُولَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>