للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَتُهُمْ قُلْت فَإِذَا لَمْ تُجِزْهَا بَطَلَتْ حُقُوقُهُمْ بَيْنَهُمْ (قَالَ): وَإِنْ بَطَلَتْ، فَأَنَا لَمْ أُبْطِلْهَا وَإِنَّمَا أَمَرْت بِأَخْذِ الْحَقِّ بِالْعُدُولِ الْأَحْرَارِ فَإِذَا كَانُوا عُدُولًا غَيْرَ أَحْرَارٍ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ، أَوْ كَانُوا أَحْرَارًا لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ فَقَدْ نَقَصُوا أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ قُلْت وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مُؤْمِنِينَ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَقَدْ نَقَصَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَعْظَمَ الشُّرُوطِ الْإِيمَانُ وَأَجَزْت شَهَادَتَهُمْ وَنَقَصَ الْعَبِيدُ، وَالْأَحْرَارُ أَقَلَّ الشُّرُوطِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمْ وَفِيهِمْ شَرْطَانِ وَلِمَ إذَا اعْتَلَلْت بِالرِّفْقِ بِهِمْ لَمْ تَرْفُقْ بِالْمُسْلِمِينَ فَتُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَالْعَبِيدُ الْعُدُولُ لَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمْ الْيَوْمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَوْ أَسْلَمُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى نَخْتَبِرَ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَطُولُ، وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِأَنْ نَرْفُقَ بِهِمْ وَنَحْتَاطَ لَهُمْ فِي أَنْ لَا نُبْطِلَ حُقُوقَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا.

وَقُلْت: أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} أَلَيْسَ بَيَّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ فَرَضَ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ، أَوْ مَسْحَهُمَا؟ قَالَ بَلَى: قُلْت لِمَ مَسَحْت عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسِ إلَى الْيَوْمِ مَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيُعَنِّفُ مَنْ مَسَحَ؟ قَالَ لَيْسَ فِي رَدِّ مَنْ رَدَّهُ حُجَّةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّهُ مَنْ خَالَفَهُ.

وَقُلْت وَنَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا نَعْمَلُ بِهِ لَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلَا نَعْرِضُهُ عَلَى الْقُرْآنِ؟ قَالَ لَا، بَلْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْنَا فَلِمَ لَا تَقُولُ بِهَذَا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْحَدِيثَ وَتُرِيدُ إبْطَالَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ بِالتَّأْوِيلِ وَبِأَنْ تَقُولَ الْحَدِيثُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَقُلْت لَهُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِك فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يُقْطَعُ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ قَلَّتْ سَرِقَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ وَيُجْلَدُ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الزِّنَا مَمْلُوكًا كَانَ، أَوْ حُرًّا مُحْصَنًا، أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَزَعَمْت أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَلَدَ الزَّانِي وَرَجَمَهُ فَلِمَ رَغِبْت عَنْ هَذَا؟ قَالَ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُقْطَعُ إلَّا مَنْ سَرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَمَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ شَيْئًا مُوَقَّتًا دُونَ غَيْرِهِ وَرَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قُلْت لَهُ: وَهَلْ جَاءَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِحَدِيثٍ كَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَمَا اسْتَطَاعَ دَفْعَ ذَلِكَ وَذَكَرْت لَهُ أَمْرَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا وَمَا وَرَّثَ اللَّهُ الْوَلَدَ، وَالْوَالِدَ، وَالْإِخْوَةَ، وَالْأَخَوَاتِ وَالزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ.

فَقُلْت لَهُ: فَلِمَ قُلْت إذَا كَانَ الْأَبُ كَافِرًا، أَوْ مَمْلُوكًا، أَوْ قَاتِلًا عَمْدًا، أَوْ خَطَأً لَمْ يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ: جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» قُلْت فَهَلْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ كَمَا لَا تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ؟ قَالَ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ هَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قُلْنَا وَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قَالَ مَخْرَجُ الْقَوْلِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامٌّ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا نَزْعُمُ أَنَّ وَجْهًا لِتَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُفَسَّرِ، وَقَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهُ.

قُلْنَا هَذَا كَمَا قُلْت الْآنَ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قُلْنَا فَقَدْ قُلْنَا لَك إنْ احْتَجَّ عَلَيْك بِقَوْلِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فَقُلْت لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَيْسَتْ فِي حُجَّتِك

<<  <  ج: ص:  >  >>