للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمًا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ فِي يَوْمٍ طَعَامَ سِتِّينَ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِتُّونَ دِرْهَمًا لِسِتِّينَ رَجُلًا أَيَجْزِيهِ أَنْ يُؤَدِّيَ السِّتِّينَ إلَى وَاحِدٍ، أَوْ إلَى تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ قَالَ لَا، وَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ قُلْنَا فَقَدْ، أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا طَعَامًا فَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أَتَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَ لِلطَّالِبِ بِحَقِّهِ فَشَرَطَ عَدَدَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَالشَّهَادَةَ، أَوْ إنَّمَا أَرَادَ الشَّهَادَةَ قَالَ أَرَادَ عَدَدَ الشُّهُودِ وَشَهَادَةَ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ اثْنَانِ.

قُلْت، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِحَقِّهِ وَاحِدٌ الْيَوْمَ، ثُمَّ شَهِدَ لَهُ غَدًا أَيَجْزِيهِ مِنْ شَاهِدَيْنِ؟ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَاحِدٌ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْنَا فَالْمِسْكِينُ إذَا رَدَدْت عَلَيْهِ الطَّعَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لَا سِتِّينَ قُلْنَا فَقَدْ سَمَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا فَجَعَلْت طَعَامَهُمْ لِوَاحِدٍ وَقُلْت إذَا جَاءَ بِالطَّعَامِ أَجْزَأَهُ وَسَمَّى شَاهِدَيْنِ فَجَاءَ شَاهِدٌ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فَقُلْت لَا يُجْزِئُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا قُلْنَا فِي هَذَا وَفِي أَنْ لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} إلَى قَوْلِهِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَبَيَّنَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقَيْنِ لَمْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ تَدُلَّ سُنَّةٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إنْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ حُدَّتْ إذَا أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} فَقَدْ أَخْبَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ كَانَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَدْرَأَهُ بِاللِّعَانِ وَهَذَا ظَاهِرُ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(قَالَ): فَخَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يُلَاعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَيْسَ مِنْهُمَا مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ خَالَفْت ظَاهِرَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ» فَقُلْت لَهُ: إنْ كَانَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِمَّا يَثْبُتُ فَقَدْ رَوَى لَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْقَسَامَةَ وَعَدَدَ أَحْكَامٍ غَيْرِ قَلِيلَةٍ فَقُلْنَا بِهَا وَخَالَفْت وَزَعَمْت أَنْ لَا تَثْبُتَ رِوَايَتُهُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ مَرَّةً بِرِوَايَتِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَدَعُهَا لِضَعْفِهِ مَرَّةً؟ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا كَمَا قُلْت فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَجَّ بِهِ فِي شَيْءٍ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فَاتَّبَعَ مَا رَوَاهُ مِمَّا قُلْنَا بِهِ وَخَالَفْته.

وَقُلْت لَهُ أَنْتَ أَيْضًا قَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ عَامًّا عَلَى الْأَزْوَاجِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَمْرٌو «أَرْبَعَة لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ» فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ تُخْرِجَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ اللِّعَانِ، ثُمَّ تَقُولَ يُلَاعِنُ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو لَا يُلَاعِنُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ.

قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا قُلْنَا بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّاهُ شَهَادَةً.

فَقُلْت لَهُ إنَّمَا مَعْنَاهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَلَكِنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَاسِعٌ.

قَالَ وَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: لَا قُلْت: أَفَتَكُونُ شَهَادَتُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَّا كَشَهَادَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: لَا.

قُلْت: أَفَيَحْلِفُ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: لَا قُلْت فَهَذَا كُلُّهُ فِي اللِّعَانِ.

قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ قَامَتْ مَقَامَ الشَّهَادَةِ أَلَا تَحُدَّ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً أَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي حَدٍّ؟ قَالَ لَا قُلْت، وَلَوْ جَازَتْ كَانَتْ شَهَادَتُهَا نِصْفَ شَهَادَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْتَعَنَتْ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، قَالَ نَعَمْ قُلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>