للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَحَلَّ صِنْفًا وَاحِدًا مِنْ الْمُشْرِكَاتِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هُنَّ الْحَرَائِرُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} فَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ.

أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا، وَالْآخَرُ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ نِكَاحَ أَمَةٍ غَيْرِ مُؤْمِنَةٍ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: قَدْ قُلْنَا مَا حَكَيْت بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَظَاهِرِهِ فَهَلْ قَالَ مَا قُلْت أَنْتَ مِنْ إبَاحَةِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَجْمَعَ لَك عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَتُقَلِّدُهُمْ وَتَقُولُ هُمْ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا قَالُوا إنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَتَانِ؟ قَالَ: لَا قُلْنَا فَلِمَ خَالَفْت فِيهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ؟ قَالَ إذَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَرَائِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُحَرِّمْ الْإِمَاءَ قُلْنَا وَلِمَ لَا تُحَرِّمُ الْإِمَاءَ مِنْهُمْ بِجُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ وَبِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَيَخَافُ الْعَنَتَ؟ قَالَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُنَّ مُحْصَنَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ كَالدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ مَا حُرِّمَ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ مَا قُلْت فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى قَوْلِهِ {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} فَلَمَّا أَبَاحَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ مَا حُرِّمَ جُمْلَةً أَيَكُونُ لِي إبَاحَةُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ فِيهِ مَنْسُوخًا، وَالْإِبَاحَةُ قَائِمَةً؟ قَالَ لَا قُلْنَا وَتَقُولُ لَهُ التَّحْرِيمُ بِحَالِهِ، وَالْإِبَاحَةُ عَلَى الشَّرْطِ فَمَتَى لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ فَلَا تَحِلُّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ حُرِّمَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَ الْمَرْأَةِ بِالدُّخُولِ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ، وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا وَلِمَ؟ أَلِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْأُمَّ مُبْهَمَةً وَالشَّرْطُ فِي الرَّبِيبَةِ فَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأُحِلُّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ خَاصَّةً وَلَا أَجْعَلُ مَا أُبِيحَ وَحْدَهُ مَحَلًّا لِغَيْرِهِ.

قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَهَكَذَا قُلْنَا فِي إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ وَقُلْنَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَيَكُونُ لَنَا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ مِنْ الْوُضُوءِ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْبُرْقُعِ، وَالْقُفَّازَيْنِ، وَالْعِمَامَةِ؟ قَالَ لَا قُلْنَا وَلِمَ؟ أَتَعُمُّ الْجُمْلَةَ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَخُصُّ مَا خَصَّتْ السُّنَّةُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْك وَقُلْنَا أَرَأَيْت حِينَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْرِكَاتِ جُمْلَةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى نِكَاحَ الْحَرَائِرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْت يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّحْرِيمِ جُمْلَةً وَإِبَاحَتُهُ حَرَائِرَهُنَّ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إمَائِهِنَّ؟ فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ نَعَمْ وَحَرَائِرُ وَإِمَاءُ الْمُشْرِكَاتِ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا وَلِمَ؟ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ بِشَرْطِ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْنَا وَلَا يَكُنْ مِنْ غَيْرِهِنَّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَهُوَ يَشْرِطُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُنَّ إمَاءً، وَالْأَمَةُ غَيْرُ الْحُرَّةِ كَمَا الْكِتَابِيَّةُ غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ؟ الَّتِي لَيْسَتْ بِكِتَابِيَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَلْزَمُهُ فِيهِ أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَهُ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ وَقَالَ {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فَقُلْنَا بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَمَا خَصَّتْهُ سُنَّةٌ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّكَاحِ وَلَا يُحَرِّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>