للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَعَمْت أَنَّ الْمُتْعَةَ مُتْعَتَانِ مُتْعَةٌ يُجْبِرُ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ وَهِيَ مُتْعَةُ الْمَرْأَةِ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَطَلَّقَهَا وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ مَا كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ خَاصَّةً؟ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ إحْدَاهُمَا عَامَّةٌ، وَالْأُخْرَى خَاصَّةٌ؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ لِمَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِمْ؟ هَلْ مَعَك بِهَذَا دَلَالَةُ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ إجْمَاعٍ؟ فَمَا عَلِمْته رَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت فِي أَنْ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُشْرِكِينَ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الْآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وَأَهْوَاءَهُمْ يَحْتَمِلُ سَبِيلَهُمْ فِي أَحْكَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ مَا يَهْوُونَ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ اللَّهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَعْلَمَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُجِيزُ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بَيْنَهُمْ فَقُلْنَا وَلِمَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخَالِفُنَا فِي أَنَّهُمْ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَيْفَ أَجَزْت غَيْرَ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ؟ قَالَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فَقُلْت لَهُ فَقَدْ قِيلَ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ وَالتَّنْزِيلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} وَالصَّلَاةُ الْمُؤَقَّتَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وَإِنَّمَا الْقَرَابَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} فَإِنَّمَا يَتَأَثَّمُ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْلِمُونَ لَا أَهْلُ الذِّمَّةِ قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ قُلْت لَهُ فَأَنْتَ تَتْرُكُ مَا تَأَوَّلْت قَالَ وَأَيْنَ قُلْت أَفَتُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ لَا قُلْت وَلِمَ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ دِينِنَا هَلْ تَجِدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَوْ فِي خَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ جَائِزَةٌ وَشَهَادَةَ غَيْرِهِمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ، أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ أَرَاك قَدْ خَصَّصْت بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ بَعْضٍ فَأُجِيزُ شَهَادَةَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا بِمَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يُبَدِّلُوا كِتَابًا كَانَ فِي أَيْدِيهمْ وَأَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَفِيهِمْ قَوْمٌ لَا يَكْذِبُونَ قُلْنَا وَفِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَوْمٌ لَا يَكْذِبُونَ قَالَ فَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَنْ لَا يُجِيزُوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قُلْنَا الَّذِينَ تَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَك مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَرُدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وَالْآيَةُ مَعَهَا وَبِذَلِكَ رَدُّوا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانُوا أَخْطَئُوا فَلَا نَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِ الْمُخْطِئِينَ مَعَك وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا فَاتَّبِعْهُمْ فَقَدْ اتَّبَعُوا الْقُرْآنَ فَلَمْ يُجِيزُوا شَهَادَةَ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ قَالَ فَإِنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقُلْت لَهُ وَخَالَفَ شُرَيْحًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ، وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ، فَأَبَوْا إجَازَةَ شَهَادَتِهِمْ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْتَ تُخَالِفُ شُرَيْحًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ بِرَأْيِك قَالَ إنِّي لَأَفْعَلُ قُلْت وَلِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قُلْت فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْك قَوْلُهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ فَقَوْلُهُ فِيمَا فِيهِ خِلَافُ الْكِتَابِ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَك قَالَ فَإِذَا لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ أَضْرَرْت بِهِمْ قُلْت أَنْتَ لَمْ تَضُرَّ بِهِمْ لَهُمْ حُكَّامٌ وَلَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ حُكَّامِهِمْ، وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>