للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَكَذَا إذَا كَانَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ بَيْنَ الْبَيْتِ، وَالْمَقَامِ وَإِنْ حَنِثَ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ لَوْ لَزِمَتْهُ وَعَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ لَا يَحْلِفَ كَانَ مَذْهَبًا وَمَنْ كَانَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ أَحْلَفَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ عَلَى الْعَظِيمِ مِنْ الدَّمِ، وَالْجِرَاحِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُتْلَى عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا}

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَحْلِفُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْحُدُودِ كُلِّهَا وَجِرَاحِ الْعَمْدِ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ وَعَلَى جِرَاحِ الْخَطَإِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالٌ إذَا بَلَغَ أَرْشُهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ لَمْ يَحْلِفْ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَدَّعِي الْعِتْقَ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا حَلَفَ سَيِّدُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ حُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ إجْمَاعُهُمْ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ، وَالْقَدَّاحَ أَخْبَرَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ فَقَالَ أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْأَمْرِ؟ فَقَالُوا لَا قَالَ لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَظِيمَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا وُصِفَتْ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى رُبْعِ دِينَارٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الطَّائِفِ فِي جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا شَاهِدَ عَلَيْهِمَا فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَحْبِسَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَقْرَأُ عَلَيْهِمَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} فَفَعَلْت فَاعْتَرَفْت.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ بِإِسْنَادٍ لَا أَعْرِفُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمُصْحَفِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَرَأَيْت مُطَرِّفًا بِصَنْعَاءَ يَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ قَالَ وَيَحْلِفُ الذِّمِّيُّونَ فِي بَيْعَتِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَعَلَى التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ وَمَا عَظَّمُوا مِنْ كُتُبِهِمْ

(قَالَ): وَمَنْ أَحْلَفَ عَلَى حَدٍّ، أَوْ جِرَاحِ عَمْدٍ قَلَّ أَرْشُهَا، أَوْ كَثُرَ، أَوْ زَوْجٍ لَاعَنَ فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْنَا بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي الْمَسَاجِدِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَبِمَا تُؤَكَّدُ بِهِ الْأَيْمَانُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ يَمِينٌ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ، فَأَحْلَفَهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةِ مِمَّنْ عِنْدَهُ حَاكِمٌ لَا يُجْلَبُ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَا مَكَّةَ فَيَحْلِفُ بِبَلَدِهِ فَحَلَّفَهُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ حَلِفِهِ فِي غَيْرِهِ وَلَا تُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَحْلِفَ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ، أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ لِلْيَمِينِ بَيْنَ الْبَيْتِ، وَالْمَقَامِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ أَهْيَبُ فَتُعَادُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يُجْلَبُ أَحَدٌ مِنْ بَلَدٍ بِهِ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي الْعَظِيمِ مِنْ الْأُمُورِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى مَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ حَاكِمُ بَلَدِهِ بِالْيَمِينِ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ يَقْهَرُ حَاكِمَ بَلَدِهِ بِجُنْدٍ، أَوْ عِزٍّ فَسَأَلَ الطَّالِبُ الْخَلِيفَةَ رَفَعَهُ إلَيْهِ رَأَيْت رَفْعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ يَقْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ يَقْوَى عَلَيْهِ حَاكِمٌ غَيْرُهُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ رَأَيْت أَنْ يَرْفَعَ إلَى الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -):، وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ سَوَاءٌ فِي الْأَيْمَانِ يَحْلِفُونَ كَمَا وَصَفْنَا، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالْمُسْتَأْمَنُونَ فِي الْأَيْمَانِ كَمَا وَصَفْنَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يُعَظِّمُ مِنْ الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِمَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا يُعَظِّمُ الْمُسْتَحْلَفُ مِنْهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَبِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى " وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ شَيْئًا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ إمَّا يَجْهَلُونَ لِسَانَهُمْ فِيهِ وَإِمَّا يَشُكُّونَ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يُحَلِّفُوهُمْ بِهِ وَلَا يُحَلِّفُونَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُونَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -):

<<  <  ج: ص:  >  >>