حَتَّى يُبَرِّئَ كَفِيلَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلٍ عَلَى دَابَّةٍ غَائِبَةٍ فَوَصَفُوهَا وَحَلُّوهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكَلِّفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَنْ يَدْفَعَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحِلْيَةَ قَدْ تُشْبِهُ الْحِلْيَةَ، وَإِذَا خَتَمَ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ بِبَلَدِهِ فِي عُنُقِهَا وَبَعَثَ بِهَا إلَى الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ فَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَلَمْ يُبَرِّئْهُ مِنْ ضَمَانِهَا وَيَقْطَعْ عَنْهُ مَنْفَعَتَهَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَصِيرُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ عَلَيْهِ الشُّهُودَ، أَوْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَرُدَّتْ إلَيْهِ كَانَ قَدْ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا عَنْهُ وَلَمْ يُعْطِ لَهَا إجَارَةً عَوَّضَتْ تَلَفًا غَيْرَ مَضْمُونٍ لَهُ، وَلَوْ جَعَلَ ضَمَانَهَا مِنْ الْمَدْفُوعَةِ لَهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ كِرَاءَهَا فِي مَغِيبِهَا إنْ رُدَّتْ كَانَ قَدْ أُلْزِمَ ضَمَانَهَا وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمُتَعَدِّي وَهَذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَإِنَّمَا ذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ إلَى أَنْ قَالَ لَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِ هَذِهِ الدَّابَّةِ إلَّا بِأَنْ يُؤْتَى بِهَا إلَى الشُّهُودِ، أَوْ يَذْهَبَ بِالشُّهُودِ إلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يُكَلَّفُوا الذَّهَابَ مِنْ بُلْدَانِهِمْ، وَالْإِتْيَانُ بِالدَّابَّةِ أَخَفُّ وَلِرَبِّ الدَّابَّةِ فِي الدَّابَّةِ مِثْلُ مَا لِلشُّهُودِ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَهَكَذَا الْعَبْدُ مِثْلُ الدَّابَّةِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانِ.
وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ شَهَادَةً بِعَدْلٍ بِمَكَّةَ وَكَتَبَ بِهَا قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ فِي مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِهِ بِالشَّهَادَةِ وَزَكَّى هُنَاكَ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ فَشَهِدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ هَذَا الشَّاهِدَ فَاسِقٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ شَهَادَتُهُمْ لَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ غَابَ عَنْ الْكُوفَةِ سِنِينَ فَلَا يَدْرِي مَا أَحْدَثَ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ بِشَهَادَةٍ فَعَدَلَا بِمَكَّةَ وَكَتَبَ قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرَ فَسَأَلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَاضِي مِصْرَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِشُهُودٍ عَلَى جَرْحِهِمَا فَإِنْ كَانَ جَرَحَهُمَا بِعَدَاوَةٍ، أَوْ ظِنَّةٍ، أَوْ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَرَدَّهُمَا عَنْهُ وَإِنْ جَرَحَهُمَا بِسُوءِ حَالٍ فِي أَنْفُسِهِمَا نَظَرَ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي قَدْ زَايَلَا فِيهَا مِصْرَ وَصَارَا بِهَا إلَى مَكَّةَ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةٌ تَتَغَيَّرُ الْحَالُ فِي مِثْلِهَا التَّغَيُّرُ الَّذِي لَوْ كَانَا بِمِصْرِهِمَا مَجْرُوحَيْنِ فَتَغَيَّرَا إلَيْهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ حَدَثَتْ لَهُمَا حَالٌ بَعْدَ الْجُرْحِ صَارَا بِهَا غَيْرَ مَجْرُوحَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَتَتْ عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهُمَا إذَا تَغَيَّرَا قَبِلَ عَلَيْهِمَا الْجَرْحَ، وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِهِمَا أَعْلَمَ بِهِمَا مِمَّنْ عَدَلَهُمَا غَرِيبًا، أَوْ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ أَوْلَى مِنْ التَّعْدِيلِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ عَدْلَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ، ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ، وَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعٍ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ بَالِغَيْنِ وَأَنَّ عَبْدًا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عَدْلًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا زَعَمُوا هَذَا فَنَقْصُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ مَعَهُ الشَّهَادَةُ مِنْ نَقْصِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي جَمَعَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَ الْخِصَالَ حَتْمٌ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْ الشُّهُودِ إلَّا مَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ فَقَدْ خَالَفُوا مَا زَعَمُوا مِنْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ حِينَ أَجَازُوا شَهَادَةَ كَافِرٍ بِحَالٍ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا دَلَالَةٌ وَأَنَّهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ أَنْ يَجُوزَ غَيْرُ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ فَقَدْ ظَلَمُوا مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ، وَقَدْ سَأَلْتهمْ فَكَانَ أَعْلَى مَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
شُرَيْحٍ، وَقَدْ أَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ فَقَالَ لَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَتُجِيزُ عَلَيَّ شَهَادَةَ عَبْدٍ؟ فَقَالَ قُمْ فَكُلُّكُمْ سَوَاءٌ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخَالِفُ شُرَيْحًا لِقَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ فِي الْآيَةِ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بِعَيْنِهَا بَيَانُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا وَفِي الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute