للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَبِهِ يَأْخُذُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ تَمُورُ أَوْ بِشَيْءٍ يَمُورُ فَمَارَ فِيهِ مَوَرَانَ الْحَدِيدِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا أَصَابَهُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ مَا لَا يَمُورُ مَوَرَانَ السِّلَاحِ فَأَصْلُهُ شَيْئَانِ إنْ كَانَ ضَرَبَهُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْدَخَ بِهَا رَأْسَهُ أَوْ يَضْرِبَ بِهَا جَوْفَهُ أَوْ خَاصِرَتَهُ أَوْ مَقْتَلًا مِنْ مُقَاتِلِهِ أَوَحَمَلَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِشَيْءٍ أَخَفَّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ مِنْ ضَرْبِهِ مَا الْأَغْلَبُ عِنْدَ النَّاسِ أَنْ لَا يُعَاشَ مِنْ مِثْلِهِ قُتِلَ بِهِ وَكَانَ هَذَا عَمْدَ الْقَتْلِ وَزِيَادَةً أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدِ أَوْحَى وَإِنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا أَوْ السَّوْقِ أَوْ الْحَجَرِ الضَّرْبَ الَّذِي الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ فَهَذَا الْخَطَأُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً وَلَا قَوَدَ فِيهِ.

وَإِذَا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَقَلَعَ سِنًّا مِنْ أَسْنَانِ الْعَاضِّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَقَدْ بَلَغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ «رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَضَّ الْفَحْلِ» وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: هُوَ ضَامِنٌ لِدِيَةِ السِّنِّ وَهُمَا يَتَّفِقَانِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَجْنِي فِي الْجَسَدِ سَوَاءٌ فِي الضَّمَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ مَا عُضَّ مِنْهُ مَنْ فِي الْعَاضِّ فَسَقَطَ بَعْضُ ثَغْرِهِ أَوْ كُلُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَعْضُوضِ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالِانْتِزَاعِ فَيَضْمَنُ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فِي الْعَاضِّ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنِيَّتَاهُ فَأَهْدَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فَحْلٍ».

وَإِذَا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ بَلَغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الرَّجُلُ جُبَارٌ» وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: هُوَ ضَامِنٌ فِي هَذَا لِمَا أَصَابَتْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): يَضْمَنُ قَائِدُ الدَّابَّةِ وَسَائِقُهَا وَرَاكِبُهَا مَا أَصَابَتْ بِيَدٍ أَوْ فَمٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ ذَنْبٍ وَلَا يَجُوزُ إلَّا هَذَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى أَنْ تَطَأَ شَيْئًا فَيَضْمَنُ لِأَنَّ وَطْأَهَا مِنْ فِعْلِهِ فَنَكُونُ حِينَئِذٍ كَأَدَاةٍ مِنْ أَدَاتِهِ جَنَى بِهَا فَأَمَّا أَنْ نَقُولَ يَضْمَنُ عَنْ يَدِهَا وَلَا يَضْمَنُ عَنْ رِجْلِهَا فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَإِنْ قَالَ: لَا يَرَى رِجْلَهَا فَهُوَ إذَا كَانَ سَائِقًا لَا يَرَى يَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي السَّائِقِ يَضْمَنُ عَنْ الرِّجْلِ وَلَا يَضْمَنُ عَنْ الْيَدِ وَلَيْسَ هَكَذَا بِقَوْلٍ فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّ «الرِّجْلَ جُبَارٌ» فَهُوَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوا هَكَذَا.

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي الرَّجُلِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ: إنَّ قِيمَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: هُوَ مَالٌ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَ حَالًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ خَطَأً عَقَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ حُرٍّ فِي نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الْقَوَدُ قَالَ: وَيَكُونُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَمَا تَكُونُ فِي الْحُرِّ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِالنُّفُوسِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْأَمْوَالِ هُوَ لَا يُجَامِعُ الْأَمْوَالَ فِي مَعْنَى إلَّا فِي أَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مُفَارِقٌ لِلْأَمْوَالِ مَجَامِعُ لِلنُّفُوسِ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>