للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْهَدُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَقَرَّتْ بِأَنَّ مَا شَهِدَ لَهَا بِهِ مِنْهُ سُمْعَةٌ لَا مَهْرٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَالنَّاكِحِ إلَّا فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ سَيِّدَهَا يُزَوِّجُهَا وَالْبِكْرِ فَإِنَّ أَبَاهَا يُزَوِّجُهَا وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَإِنَّ الْآبَاءَ يُزَوِّجُونَهُمْ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

(قَالَ): وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وَقَدْ أَدْرَكَتْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: إذَا كَرِهَتْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا قَدْ أَدْرَكَتْ وَمَلَكَتْ أَمْرَهَا فَلَا تُكْرَهُ عَلَى ذَلِكَ، بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا» فَلَوْ كَانَتْ إذَا كَرِهَتْ أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْتَأْمَرْ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَيْهَا وَإِنْ كَرِهَتْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إنْكَاحُ الْأَبِ خَاصَّةً جَائِزٌ عَلَى الْبِكْرِ بَالِغَةً وَغَيْرَ بَالِغَةٍ وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا» فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الْأَيِّمَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَأَمَرَ فِي هَذِهِ بِالْمُؤَامَرَةِ وَالْمُؤَامَرَةُ قَدْ تَكُونُ عَلَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَآمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» وَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ وَاحِدًا لَقَالَ: الْأَيِّمُ وَالْبِكْرُ أَحَقُّ بِنَفْسَيْهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَقْصًى بِحُجَجِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ فَدَخَلَ بِهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهَا مَا ادَّعَتْ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إنَّمَا لَهَا مَا سَمَّى لَهَا الزَّوْجُ وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِمَا يَكُونُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ قُبِلَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَاخْتُلِفَا فِي الْمَهْرِ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَكْثَرَ كَالْقَوْلِ فِي الْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ إلَّا أَنَّا لَا نَرُدُّ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ بِمَا يُرَدُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي الْبُيُوعِ وَنَحْكُمُ لَهُ حُكْمُ الْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّ الْبُيُوعَ الْفَائِتَةَ يُحْكَمُ فِيهَا بِالْقِيمَةِ وَهَذَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ فِيهِ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا هِيَ فِي الْبُيُوعِ قِيمَةً مِثْلُ السِّلْعَةِ.

وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ إنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا خِيَارَ لَهَا وَمِنْ حُجَّةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي بَرِيرَةَ أَنَّهُ يَقُولُ: كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا وَلَا نِكَاحَهَا وَقَدْ بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَيَّرَ بَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ» وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَذَلِكَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

وَإِذَا تَزَوَّجَتْ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ كَانَ قَدْ نُعِيَ إلَيْهَا فَوَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ: الْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الْوَلَدُ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاهِرٍ وَالْعَاهِرُ الزَّانِي لِأَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ يَأْخُذُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا بَلَغَ الْمَرْأَةُ وَفَاةَ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ نُكِحَتْ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا الْمُنْعَى حَيًّا فُسِخَ النِّكَاحُ الْآخَرُ وَاعْتَدَّتْ مِنْهُ وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ كَمَا هِيَ وَكَانَ الْوَلَدُ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا نِكَاحًا حَلَالًا فِي الظَّاهِرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفِرَاشِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا لَمَسَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ: حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>