للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ الْحَلْبَ فَيَحْلُبُ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِيهِ إلَّا حَجَّ وَحَجَّ بِهِ مَعَهُ فَبَلَغَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِي قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ كَبُرَ الشَّيْخُ فَجَاءَ ابْنُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي قَدْ كَبُرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَذَكَرَ مَالِكٌ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ نُرَكِّبَهَا عَلَى الْبَعِيرِ وَإِنْ رَبَطْتُهَا خِفْت أَنْ تَمُوتَ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ: خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَتِكُمْ وَمِنْ رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَرْوِي هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بِالْمَدِينَةِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ وَهَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ يَكُونُ مِثْلُهُ عِنْدَكُمْ عَمَلًا فَتُخَالِفُونَهُ كُلَّهُ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَلِمْتُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعُ مَنْ عَدَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَشْرِقِ وَالْيَمَنِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّ مِنْ حُجَّةِ بَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَجَعَلَ الْحَجَّ فِي مَعْنَى الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ الضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَحَدٍ كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَلِرَأْيِ مِثْلِكُمْ وَلِرَأْيِ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَتَجْعَلُونَهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ إذَا شِئْتُمْ لِأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةً لَمْ تُخَالِفُوهُ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ تُقِيمُونَ قَوْلَهُ مَقَامًا تَرُدُّونَ بِهِ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ ثُمَّ تَدَعُونَ فِي قَوْلِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْحَجِّ قِيَاسًا وَمَا لِلْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؟ هَذَا شَرِيعَةٌ وَهَذَا شَرِيعَةٌ فَإِنْ قُلْتُمْ قَدْ يَشْتَبِهَانِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ: أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَجَّ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا» فَأَنَا آمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَنْ الرَّجُلِ وَيَصُومَ عَنْهُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقَاسُ شَرِيعَةٌ عَلَى شَرِيعَةٍ؟ فَكَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ أَوَرَأَيْتُمْ مَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُ السُّنَّةُ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ تَقَارُبًا مِنْهَا فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ مَا هُوَ؟ قُلْت: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَنَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَأَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا» وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُزَابَنَةِ وَدَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَوْ لَمْ يُجِزْهَا، فَلَمَّا أَجَازَهَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِالسُّنَّةِ وَقُلْنَا: تَجُوزُ الْعَرَايَا وَهِيَ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَكِيلٌ بِجُزَافٍ؟ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا وَضَعَ بِالْأَرْضِ فَكَانَ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ فِي الْأَرْضِ مَعًا فَهَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ حَلَالٌ بِمَا أَحَلَّهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَدْ خَالَفَ هَذَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فَرَأَيْنَا لَنَا عَلَيْهِمْ بِهَذَا حُجَّةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِنَصِّهِ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ خِلَافَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَكَيْفَ تَقِيسُونَهُ بِالصَّوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>