الْمَخْرَفُ النَّخِيلُ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا نَقُولُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فِي الْإِقْبَالِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَبَ حُكْمٌ مِنْهُ وَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ السَّلَبَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَأَعْطَاهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ. فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فَقَالَ: تَدَعُونَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقَاتِلِ فَكَيْفَ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ؟ أَوْ رَأَيْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ أَعْطَى مَنْ حَضَرَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا مِنْ الْإِمَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ هَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إعْطَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَامِّ وَالْحُكْمِ حَتَّى تَأْتِي دَلَالَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ قَوْلَهُ خَاصٌّ فَيَتْبَعُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَدَّعِيَ أَنَّ قَوْلَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُهُمَا حُكْمٌ، وَالْآخَرُ اجْتِهَادٌ بِلَا دَلَالَةٍ فَإِنْ جَازَ هَذَا خَرَجَتْ السُّنَنُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوْ آخَرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَوْ أَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى مَا آخُذُ بِهِ، وَالْقَوْلُ الْوَاحِدُ مِنْهُ يَلْزَمُ لُزُومَ الْأَقَاوِيلِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَوْلُكُمْ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وَكَانَ لِمَنْ حَضَرَ فَكَيْفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَرَّةً فَيُعْطِيَهُ وَيَجْتَهِدَ أُخْرَى فَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يَجْتَهِدُ إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ إنَّمَا الِاجْتِهَادُ قِيَاسٌ عَلَى السُّنَّةِ فَإِذَا لَزِمَ الِاجْتِهَادُ لَهُ صَارَ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَلْزَمَ لَهُ أَوْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا شَيْءٌ إلَّا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ قِيَاسًا عَلَيْهِ فَقُلْت: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ بَعْضُ النَّاسِ قُلْت: فَمَا احْتَجَّ بِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ - قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ -: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَالسَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ إذَا أَخَذَ خَمْسَةً فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا كَانَتْ حُجَّتُك؟ قَالَ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ بَعْدَ تَقَضِّي حَرْبِ حُنَيْنٍ لَا قَبْلَ الْوَقْعَةِ فَقُلْت: قَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِخِلَافِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلْعُذْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ تَأَوَّلَهُ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فَيَقُولُ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ إنَّمَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْعَةِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَأْوِيلٌ قِيلَ: وَاَلَّذِي قُلْت تَأْوِيلٌ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: مَا رَأَيْت مَا وَصَفْت لَك أَنَّا أَخَذْنَا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهُوَ أَصَحُّ رِجَالًا وَأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ مَا سَأَلْنَاك عَنْهُ مِمَّا كُنَّا نَتْرُكُهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نَلْقَاك (قَالَ الشَّافِعِيُّ): عَقْلٌ فِيمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْ الْأَكْثَرِ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ بِهِ وَأَوْلَى فَفِي مَا تَرَكْتُمْ مِثْلُ مَا أَخَذْتُمْ بِهِ وَاَلَّذِي أَخَذْتُمْ بِهِ مَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَقُلْت: مِثْلُ مَاذَا؟ فَقَالَ: مِثْلُ أَحَادِيثَ أَرْسَلَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُ أَحَادِيثَ مُنْقَطِعَةٍ فَقُلْت: فَكَيْفَ أَخَذْت بِهَا؟ قَالَ: مَا أَخَذْت بِهَا إلَّا لِثُبُوتِهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْ رِوَايَتِكُمْ وَرِوَايَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ فَهِمْت مَا ذَكَرْت مِنْ الْحَدِيثِ وَصِرْت إلَى مَا أُمِرْت بِهِ، وَرَأَيْت الرُّشْدَ فِيمَا دُعِيتُ إلَيْهِ وَعَلِمْت أَنَّ بِالْعِبَادِ - كَمَا قُلْت - الْحَاجَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأَيْت فِي مَذَاهِبِنَا مَا وَصَفْت مِنْ تَنَاقُضِهَا، وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ، وَأَنَا أَسْأَلُك عَمَّا رَوَيْنَا فِي كِتَابِنَا الَّذِي قَدَّمْنَا عَلَى الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَسَلْ مِنْهُ عَمَّا حَضَرَك وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا يَرْضَى وَعَصَمَنَا وَإِيَّاكَ بِالتَّقْوَى وَجَعَلْنَا نُرِيدُهُ بِمَا نَقُولُ وَنَصْمُتُ عَنْهُ إنَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا. فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ بِقَرِيبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute