أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الشَّامِ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا سِوَى هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُخَالِفُهُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهَدَمَ لَهُمْ وَحَرَقَ وَقَطَعَ بِخَيْبَرَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَاتَلَ بِهَا، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَكَيْفَ كَرِهْت عَقْرَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَتَحْرِيقَهَا إلَّا لِتُؤْكَلَ؟ فَقَالَ: بِالسُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بِهَا قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيُلْقِيهِ» فَرَأَيْت إبَاحَةَ قَتْلِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ غَيْرِ الْعَدُوِّ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تُصَادَ فَتُؤْكَلَ أَوْ تُذْبَحَ فَتُؤْكَلَ وَقَدْ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: فَإِنَّا نَقُولُ شَبِيهًا بِمَا قُلْت، قُلْت: قَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِمَا وَصَفْت فَمَا أَعْرَفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الَّذِي اتَّبَعْنَاهُ فَقُلْت: إنْ كَانَ خَالَفَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَبَدًا يَتْرُكَ مَرَّةً حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ يَتْرُكُ قَوْلَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِرَأْيِ نَفْسِهِ فَالْعَمَلُ إذًا إلَيْهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دَهْرِنَا.
سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُقِرُّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ فَيُنْكِرُهُ فَيَقُولُ: قَدْ كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا وَلَمْ أَكُنْ أَحْبِسُهَا فِي بَيْتِي فَقَالَ: يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَحْبَلُ وَهُوَ يَعْزِلُ وَلَا إلَى تَضْيِيعِهِ إيَّاهَا بِتَرْكِ التَّحْصِينِ لَهَا وَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمَنْ يُرِيهِ الْقَافَةَ مَعَ قَوْلِهِ فَقُلْت: فَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدُ أَوْ اُتْرُكُوا، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: صَاحِبُنَا يَقُولُ: لَا نُلْحِقُ وَلَدَ الْأَمَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ بِحَالٍ حَتَّى يَدَّعِيَ الْوَلَدَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عُمَرَ فِي إرْسَالِ الْوَلَائِدِ يُوطَأْنَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَهَذِهِ رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِكُمْ عَنْ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ وَلَمْ تَرْوُوا أَنَّ أَحَدًا خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا التَّابِعِينَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُتْرَكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لَا إلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ قُلْت: فَمَا كَانَتْ حُجَّتُهُمْ؟ قَالَ: كَانَتْ حُجَّتُهُمْ أَنْ قَالُوا: انْتَفَى عُمَرُ مِنْ وَلَدِ جَارِيَةٍ لَهُ وَانْتَفَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ وَلَدِ جَارِيَتِهِ وَانْتَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ وَلَدِ جَارِيَةٍ لَهُ فَقُلْت: فَمَا حُجَّتُك عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: أَمَّا عُمَرُ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ فَأَقَرَّتْ بِالْمَكْرُوهِ وَأَمَّا زَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَنْكَرَا إنْ كَانَا فَعَلَا أَنَّ وَلَدَ جَارِيَتَيْنِ عُرِفَا أَنْ لَيْسَ مِنْهُمَا فَحَلَالٌ لَهُمَا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُمَا فِي الْأَمَةِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِزَوْجِ الْحُرَّةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْ زِنًا أَنْ يَدْفَعَ وَلَدَهَا وَلَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَمَا تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا يَنْبَغِي لَهَا إلَّا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِجَهْدِهَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَلِّفَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا فَالْحُكْمُ غَيْرُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لَا يَلْحَقُ إلَّا بِدَعْوَةٍ حَادِثَةٍ وَأَنَّ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا يُحْصِنُ الْأَمَةَ وَتَلِدُ مِنْهُ أَوْلَادًا يُقِرُّ بِهِمْ أَنْ يَنْفِيَ بَعْدَهُمْ وَلَدًا أَوْ يُقِرَّ بِآخَرَ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا جَعَلُوا لَهُ النَّفْيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute