للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ خُلَفَائِهِ فَلَمْ يُحْكَ عَنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قُلْت: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» لَا أَشُكُّ أَنْ قَدْ وَرَدَ عَلَى جَمِيعِ خُلَفَائِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْقَائِمِينَ بِأَخْذِ الْعُشْرِ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا شَيْءٌ قَالَ: صَدَقْت هَذَا بَيِّنٌ قُلْت: وَلَهُ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقُلْت: إذَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْنَا الْخَبَرُ عَنْ بَعْضِ خُلَفَائِهِ وَيَرِدُ عَلَيْنَا الْخَبَرُ عَنْهُ يُخَالِفُهُ فَنَصِيرَ إلَى الْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ لِكُلٍّ غَايَةً وَغَايَةُ الْعِلْمِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَعْلَمُ أَنَّ السُّنَّةَ مَا كَانَتْ مَوْجُودَةً مُسْتَغْنًى بِهَا عَنْ غَيْرِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ سَمِعْتُك ذَكَرْت مَا لَا أَجْهَلُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْلُ يَقُولُهُ تُوجَدُ السُّنَّةُ بِخِلَافِهِ فَإِنْ وَجَدَهَا مَنْ بَعْدَهُ صَارَ إلَيْهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ اسْتِغْنَاءِ السُّنَّةِ عَمَّا سِوَاهَا وَبِالْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ إنْ لَمْ يَزِيدُوا لَعَلَّك لَا تَرْوِي عَنْهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا عَنْ سِتَّةٍ: نَعَمْ إنَّمَا تَرْوِي الْقَوْلَ عَنْ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُتَفَرِّقِينَ فِيهِ أَوْ مُجْتَمِعِينَ وَالْأَكْثَرُ التَّفَرُّقُ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت لَهُ: ضَعْ لِقَوْلِك إذَا كَانَ الْأَكْثَرَ مِثَالًا قَالَ: نَعَمْ كَأَنَّ خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا قَوْلًا مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ ثَلَاثَةٌ قَوْلًا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فَالْأَكْثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ فَقُلْت: هَذَا قَلَّمَا يُوجَدُ وَإِنْ وُجِدَ أَيَجُوزُ أَنْ تَعُدَّهُ إجْمَاعًا وَقَدْ تَفَرَّقُوا مُوَافَقَةً؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْأَكْثَرَ مُجْتَمِعُونَ قُلْت فَإِذَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَدَدِ عَلَى مَا وَصَفْت فَهَلْ فِيمَنْ لَمْ تَرْوُوا عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَالَةُ مُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِ فَيَكُونُونَ أَكْثَرَ بِعَدَدِهِمْ مَنْ مُوَافَقَتِهِمْ أَوْ مُوَافَقَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَلِّينَ فَيَكُونُ الْأَقَلُّونَ الْأَكْثَرِينَ بِمَنْ وَافَقَهُمْ لَا تَدْرِي لَعَلَّهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَلَا تَدْرِي أَيْنَ الْأَقَلُّ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْعِلْمِ قَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالُوا؟ وَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا قُلْت: وَالصِّدْقُ فِيهِ أَبَدًا أَنْ لَا يَقُولَ أَحَدٌ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ قَالَهُ وَلَوْ قُلْت وَافَقُوا بَعْضَهُمْ قَالَ غَيْرُك: بَلْ خَالَفُوهُ قَالَ: وَلَا لَيْسَ الصِّدْقُ أَنْ تَقُولَ وَافَقُوا وَلَا خَالَفُوا بِالصَّمْتِ قُلْت: هَذَا الصِّدْقُ قُلْت: فَتَرَى ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ يَصِحُّ لِمَنْ ادَّعَاهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَاصِّ الْعِلْمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ فَهَكَذَا التَّابِعُونَ بَعْدَهُمْ وَتَابِعُو التَّابِعِينَ وَقَالَ: وَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ؟ قُلْت: مَا عَلِمْت بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِأُفُقٍ مِنْ آفَاقِ الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَى طَرِيقَ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْفَرْضِ وَخَاصٍّ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا حَدَّثَنَا ذَلِكَ الَّذِي فِيهِ إجْمَاعٌ يُوجَدُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ بِكُلِّ بَلَدٍ وَلَقَدْ ادَّعَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَشْرِقِيِّينَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ حَيْثُ ادَّعَاهُ وَقَالُوا: أَوَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَوْ أَنَّ شَيْئًا رُوِيَ عَنْ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَلَمْ يُرْوَ عَنْ مِثْلِهِمْ خِلَافُهُمْ وَلَا مُوَافَقَتُهُمْ مَا دَلَّ عَلَى إجْمَاعِ مَنْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مُجْتَمِعُونَ أَمْ مُفْتَرِقُونَ لَوْ قَالُوا: وَسَمِعْت بَعْضَهُمْ يَقُولُ لَوْ كَانَ بَيْنَنَا مِنْ السَّلَفِ مِائَةُ رَجُلٍ وَأَجْمَعَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَيَجُوزُ أَنْ نَدَّعِيَ أَنَّ التِّسْعِينَ مُجْتَمِعُونَ مَعَهُمْ وَقَدْ نَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَلَوْ جَازَ لَنَا إذَا قَالَ لَنَا قَائِلٌ شَيْئًا أَخَذْنَا بِهِ لَمْ نَحْفَظْ عَنْ غَيْرِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ وَلَا يُوَافِقُهُ أَنْ نَدَّعِيَ مُوَافَقَتَهُ جَازَ لِغَيْرِنَا مِمَّنْ خَالَفَنَا أَنْ يَدَّعِيَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ وَمُخَالَفَتَهُ لَنَا وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَّعَى عَلَى أَحَدٍ فِيمَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ شَيْءٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ لِي: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إجْمَاعًا؟ قُلْت: يَصِحُّ فِي الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَأَمَّا عِلْمُ الْخَاصَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي لَا يَضِيرُ جَهْلُهُ عَلَى الْعَوَامّ وَاَلَّذِي إنَّمَا عِلْمُهُ عِنْدَ الْخَوَاصِّ مِنْ سَبِيلِ خَبَرِ الْخَوَاصِّ وَقَلِيلٌ مَا يُوجَدُ مِنْ هَذَا فَنَقُولُ فِيهِ وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ نَقُولُ: لَا نَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا نَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَنَقُولُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اخْتَلَفُوا وَاجْتَهَدُوا فَأَخَذْنَا أَشْبَهَ أَقَاوِيلِهِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>