الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا مَعَهُمْ أَمْ خَارِجُونَ مِنْهُمْ قَالَ، فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ؟ قُلْت، فَإِنْ شِئْت فَقُلْهُ قَالَ فَقَدْ قُلْته قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟.
قَالَ، فَإِنْ قُلْت لَا يَمْسَحُ أَحَدٌ لِأَنِّي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ رَدَدْته إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ الْوُضُوءُ قُلْت، وَكَذَلِكَ تَقُولُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي الزَّانِي الثَّيِّبِ أَتَرْجُمُهُ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: كَيْفَ تَرْجُمُهُ وَمِمَّا نَصَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى زَانٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَكَيْفَ تَرْجُمُهُ وَلَمْ تَرُدَّهُ إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ دَمَهُ مُحَرَّمٌ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى تَحْلِيلِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ زَانٍ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَأَنْ يُجْلَدَ مِائَةً قَالَ إنْ أَعْطَيْتُك هَذَا دَخَلَ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ يُجَاوِزُ الْقَدَرَ كَثْرَةً قُلْتُ: أَجَلْ، فَقَالَ: فَلَا أُعْطِيك هَذَا وَأُجِيبُك فِيهِ غَيْرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ قُلْت فَقُلْ قَالَ لَا أَنْظُرُ إلَى قَلِيلٍ مِنْ الْمُفْتِينَ وَأَنْظُرُ إلَى الْأَكْثَرِ قُلْت أَفَتَصِفُ الْقَلِيلَ الَّذِينَ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِمْ أَهُمْ إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّاسِ أَوْ ثُلُثِهِمْ أَوْ رُبُعِهِمْ قَالَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحُدَّهُمْ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ قُلْت أَفَعَشْرَةٌ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ قَالَ هَؤُلَاءِ مُتَقَارِبُونَ قُلْت فَحَدَّهُمْ بِمَا شِئْت قَالَ مَا أَقْدِرُ أَنْ أَحِدَّهُمْ قُلْت فَكَأَنَّك أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مُطْلَقًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فَإِذَا أَخَذْت بِقَوْلٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ قُلْت عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ وَإِذَا أَرَدْت رَدَّ قَوْلٍ قُلْت: هَؤُلَاءِ الْأَقَلُّ أَفَتَرْضَى مِنْ غَيْرِك بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ رَأَيْت حِينَ صِرْت إلَى أَنْ دَخَلْت فِيمَا عِبْت مِنْ التَّفَرُّقِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَشَرَةً فَزَعَمْت أَنَّك لَا تَقْبَلُ إلَّا مِنْ الْأَكْثَرِ فَقَالَ سِتَّةٌ فَاتَّفَقُوا وَخَالَفَهُمْ أَرْبَعَةٌ أَلَيْسَ قَدْ شَهِدْت لِلسِّتَّةِ بِالصَّوَابِ وَعَلَى الْأَرْبَعَةِ بِالْخَطَأِ؟ قَالَ، فَإِنْ قُلْت بَلَى؟.
قُلْت فَقَالَ الْأَرْبَعَةُ فِي قَوْلٍ غَيْرِهِ فَاتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْ السِّتَّةِ مَعَهُمْ وَخَالَفَهُمْ أَرْبَعَةٌ قَالَ فَآخُذُ بِقَوْلِ السِّتَّةِ قُلْت فَتَدَعُ قَوْلَ الْمُصِيبِينَ بِالِاثْنَيْنِ وَتَأْخُذُ بِقَوْلِ الْمُخْطِئِينَ بِالِاثْنَيْنِ وَقَدْ أَمْكَنَ عَلَيْهِمْ مَرَّةً وَأَنْتَ تُنْكِرُ قَوْلَ مَا أَمْكَنَ فِيهِ الْخَطَأُ فَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت قَوْلَك لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ إلَّا بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَتَجِدُ السَّبِيلَ إلَى إجْمَاعِهِمْ كُلِّهِمْ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى تَلْقَاهُمْ كُلَّهُمْ أَوْ تَنْقُلَ عَامَّةً عَنْ عَامَّةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ مَا يُوجَدُ هَذَا قُلْت، فَإِنْ قَبِلْت عَنْهُمْ بِنَقْلِ الْخَاصَّةِ فَقَدْ قَبِلْت فِيمَا عِبْت وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا بِنَقْلِ الْعَامَّةِ لَمْ نَجِدْ فِي أَصْلِ قَوْلِك مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْبُلْدَانُ إذَا لَمْ تَقْبَلْ نَقْلَ الْخَاصَّةِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ لَك فِي مَوْضِعٍ وَلَا تَجِدُ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِنَقْلِ عَامَّةٍ عَنْ عَامَّةٍ قُلْت فَأَسْمَعُك قَلَّدْت أَهْلَ الْحَدِيثِ وَهُمْ عِنْدَك يُخْطِئُونَ فِيمَا يَدِينُونَ بِهِ مِنْ قَبُولِ الْحَدِيثِ فَكَيْفَ تَأْمَنُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِيمَا قَلَّدُوهُ الْفِقْهَ وَنَسَبُوهُ إلَيْهِ فَأَسْمَعُك قَلَّدْت مَنْ لَا تَرْضَاهُ وَأَفْقَهُ النَّاسِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَتْبَعُهُمْ لِلْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَجْهَلُهُمْ لِأَنَّ الْجَهْلَ عِنْدَك قَبُولُ خَبَرِ الِانْفِرَادِ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى الْفُقَهَاءِ وَيُفَضِّلُونَهُمْ بِهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي يُنْصَفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الدُّنْيَا قَالَ فَكَيْفَ لَا يُوجَدُ؟ قَالَ هُوَ أَوْ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ فَإِنِّي أَقُولُ إنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِالْفِقْهِ قُلْت لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إلَّا وَفِيهِ مِنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ هُمْ بِمِثْلِ صِفَتِهِ يَدْفَعُونَهُ عَنْ الْفِقْهِ وَتَنْسُبُهُ إلَى الْجَهْلِ أَوْ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَعَلِمْت تَفَرُّقَ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ بَيْنَهُمْ
، ثُمَّ عَلِمْت تَفَرُّقَ كُلِّ بَلَدٍ فِي غَيْرِهِمْ فَعِلْمنَا أَنَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ كَانَ لَا يَكَادُ يُخَالِفُ قَوْلَ عَطَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتَارُ عَلَيْهِ
، ثُمَّ أَفْتَى بِهَا الزَّنْجِيُّ بْنُ خَالِدٍ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُهُ فِي الْفِقْهِ وَمِنْهُمْ مِنْ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ يُضَعِّفُونَ الْآخَرَ وَيَتَجَاوَزُونَ الْقَصْدَ وَعَلِمْت أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ
، ثُمَّ يَتْرُكُونَ بَعْضَ قَوْلِهِ
، ثُمَّ حَدَّثَ فِي زَمَانِنَا مِنْهُمْ مَالِكٌ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُهُ وَغَيْرُهُ يُسْرِفُ عَلَيْهِ فِي تَضْعِيفِ مَذَاهِبِهِمْ وَقَدْ رَأَيْت ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ يُجَاوِزُ الْقَصْدَ فِي ذَمِّ مَذَاهِبِهِ وَرَأَيْت الْمُغِيرَةَ وَابْنَ أَبِي حَازِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute