أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَطَأٍ عَلَيْهَا أَوْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ فَيَقُولَ كَانَ أَصْلُ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ قُلْنَا مَا بَلَغَ أَنْ يَكُونَ دِيَةً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا نَقَصَ مِنْ الدِّيَةِ فَعَلَى جَانِيهِ وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ وَلَا تَعْقِلُ دُونَهُ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ تَعْقِلُ التِّسْعَةَ الْأَعْشَارِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ النِّصْفَ وَلَا تَعْقِلُ دُونَهُ فَمَا حُجَّتُهُ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ نَعَمْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَحَدِيثُهُ فِي أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَثْبَتُ إسْنَادًا مِنْ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حِينَ كَانَتْ دِيَةً وَنِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا مِنْ الْخَطَأِ فَكَذَلِكَ يَقْضِي بِكُلِّ خَطَأٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ وَيَلْزَمُهُ فِي هَذَا مِثْلَ مَا لَزِمَ مَنْ قَالَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا اتَّبَعْت الْخَبَرَ فَقُلْت اجْعَلْ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ خَبَرٌ لَزِمَك لِأَحَدٍ إنْ عَارَضَك أَنْ تَقُولَ وَإِذَا جَنَى جَانٍ مَا فِيهِ دِيَةٌ أَوْ مَا فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِذَا جَنَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ دِيَةٍ وَأَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ فَفِي مَالِهِ حَتَّى تَكُونَ امْتَنَعَتْ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَرَدَدْت مَا لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ نُصَّ إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى جَانِيهَا وَإِنْ رَدَدْت الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هَدْرًا لَا عَقْلَ فِيهِ وَلَا قَوَدَ كَمَا تَكُونُ اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ أَوْ يَكُونُ إذَا جَنَى جِنَايَةً اجْتَهَدْت فِيهَا الرَّأْيَ فَقَضَيْت فِيهَا بِالْعَقْلِ قِيَاسًا عَلَى الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجِنَايَاتِ فَإِذَا كَانَ حَقٌّ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْجِنَايَاتِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ قِيَاسًا فَالْحَقُّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ مَا كَانَتْ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لَا يَجُوزُ إلَّا ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ النَّاسِ عَابَ شَيْئًا إلَّا شَرَكَ فِي طَرَفٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَعَلَّ فِيهِ مُؤْنَةً عَلَى مَنْ جَهِلَ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ فَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا فَلَيْسَتْ عَلَيْهَا مُؤْنَةٌ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الثُّلُثَ يَفْدَحُ وَمَا دُونَهُ لَا يَفْدَحُ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ هَذَا فِي دَمِ الْعَمْدِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مِائَةُ دِيَةٍ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ فِيهَا بِفَلْسٍ أَوْ رَأَيْت لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مَا وَصَفْت فَجَنَى جَانِيَانِ أَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ بِدِرْهَمٍ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ أَمَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ لِلْمُعْسِرِ بِهِ أَفْدَحَ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ لِلْمُوسِرِ بِهَا الَّذِي لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَر فِي حَالِ الْجَانِي فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ دِرْهَمًا فَفَدْحُهُ جَعَلْته عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلَا تَفْدَحُهُ لَمْ تَجْعَلْ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْئًا.
فَإِنْ قَالَ لَوْ قُلْت هَذَا خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ قِيلَ قَدْ خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ تَقُلْ ذَا وَلَا شَيْئًا لَهُ وَجْهٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قُلْنَا الْقَدِيمُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَلْزَمُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ قَوْلُهُمْ فَمِنْ أَيِّ هَذَا هُوَ؟ قَالَ أَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَأَرْفَعُهَا قُلْت أَفَنَتْرُكُ الْيَقِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِظَنٍّ لَيْسَ مِمَّا أُمِرْنَا بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إلَّا الْقِيَاسُ مَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلظَّنِّ وَلَئِنْ أَدْخَلْت التُّهْمَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute