وَاسْتَأْنَفْت الْقُرْعَةَ عَلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ مِنْ السَّبْعَةِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ، أَوْ اتَّفَقَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً، أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَبَدًا أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الرَّقِيقِ قَلُّوا، أَوْ كَثُرُوا إلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو الرَّقِيقُ الَّذِينَ أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيَمُهُمْ سَوَاءً أَوْ ضُمَّ الْأَقَلُّ ثَمَنًا إلَى الْأَكْثَرِ حَتَّى إذَا اعْتَدَلَتْ قِيَمُهُمْ فَهُوَ كَمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ فِيهِمْ كَانَتْ قِيَمُهُمْ سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَةً أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ وَاحِدٍ أَعْتَقَهُ.
ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ وَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَى الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ إنْ يُقْرَعَ عَلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ مَرَّتَيْنِ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ مَرَّةً وَقُرْعَةً مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ فِي مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ إلَّا الثُّلُثُ، فَلَمَّا أَقْرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ وَعَدَدُهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ جَازَ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ جَازَ إذَا اتَّفَقَتْ قِيَمُهُمْ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الرَّقِيقِ كَمَا يُقْرَعُ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الرَّقِيقِ لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَةِ لِلْقَسْمِ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ اتَّفَقَتْ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضَمُّ الْقَلِيلُ الثَّمَنِ إلَى كَثِيرِهِ؟ أَفَرَأَيْت إذَا فَعَلَتْ هَذَا فِي الْعِتْقِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِيمَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؟ قُلْنَا بِالْقِيمَةِ، قِيلَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ فَكَانَ مَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُتَبَايِنُ الْقِيمَةِ، فَفِي عَبْدٍ ثَمَنٌ أَلْفٌ وَعَبْدَيْنِ ثَمَنٌ خَمْسُمِائَةٍ وَالْوَرَثَةُ رَجُلَانِ؟ قِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْوَاحِدِ رَدَّ عَلَى أَخِيهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اثْنَيْنِ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُهُ لَيْسَ عِنْدِي أَخَذَ الْعَبْدَيْنِ وَكَانَ شَرِيكُهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ فِي يَدِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ.
وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبْعُ الْعَبْدِ وَلِلْآخِرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَهَكَذَا قِيمَةُ كُلِّ مَا اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ مِنْ أَرْضٍ وَثِيَابٍ وَدَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَصِحُّ أَنْ تَنْظُرَ قِيَمَهُمْ فَإِذَا كَانَتْ كَمَا وَصَفْتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُقْرَعَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَأَيُّكُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى كَثِيرِ الثَّمَنِ رُدَّ مَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ، وَأَيُّكُمْ خَرَجَ عَلَى قَلِيلِ الثَّمَنِ أَخَذَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنْ رَضُوا مَعًا بِهَذَا فَأَقْرَعْنَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا قُلْنَا: أَنْتُمْ قَوْمٌ لَكُمْ مَا لَا يَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ، فَكَأَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ مَا لَا يَنْقَسِمُ فَأَنْتُمْ عَلَى مَوَارِيثِكُمْ فِيهِ حَتَّى تَصْطَلِحُوا عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ، أَوْ تَبِيعُوا فَتَقْسِمُوا الثَّمَنَ وَلَا نُكْرِهُكُمْ عَلَى الْبَيْعِ، وَبِهَذَا أَقُولُ: فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِالْقِيمَةِ عَلَى الرَّقِيقِ، فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْكَثِيرِ الثَّمَنِ عَتَقَ كُلُّهُ وَصَارَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ دَيْنًا لِلْوَرَثَةِ إنْ رَضِيَ ذَلِكَ الْعَبْدُ، قِيلَ: لَا يُشْبِهُ الرَّقِيقُ الْوَرَثَةَ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ كَانَ لِمَالِكِيهِمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ أُخْرِجَ عَبْدًا بَقِيَ فِيهِ نِصْفُهُ رَقِيقًا إلَى الْحُرِّيَّةِ وَأُحِيلُ عَلَيْهِ وَارِثًا مَالِكًا لَهُ بِدَيْنٍ لَعَلَّهُ لَا يَأْخُذُهُ أَبَدًا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَنَا لَوْ خَالَفْتُ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِسْعَاءِ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ عَلَى مَا أَقْسِمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُخْطِئُهُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ؟ قِيلَ: إنَّمَا يَقْسِمُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْقِيَمِ وَتُزَادُ عَلَيْهِمْ وَيَزْدَادُونَ بِرِضَاهُمْ فَإِذَا أَسْخَطُوا أُشْرِكَ بَيْنَهُمْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ مَا احْتَمَلَهُ بِالْقِيمَةِ وَالْعَبِيدُ لَا أَمْوَالَ لَهُمْ يَرْضَوْنَ بِأَنْ يُعْطُوهَا وَنَحْنُ لَا نُجْبِرُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مِيرَاثٍ مِنْ رَقِيقٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ مَعَهُ، أَوْ يُعْطِيَ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ بِالْقِيمَةِ مَا اعْتَدَلَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أُعْتِقَ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ.
فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً قِيَمُهُمْ سَوَاءٌ وَكَانَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِمْ يَخْرُجُونَ أَحْرَارًا جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِذَا خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّ عَلَى حُرٍّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَى وَاحِدٍ وَيَعْتِقَ الْبَاقُونَ وَالْجُزْءَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمَا سَهْمُ الرِّقِّ حُرَّانِ، وَسَوَاءٌ فِي الْقُرْعَةِ الرَّقِيقُ الَّذِي أَعْتَقَهُمْ عِتْقَ بَتَاتٍ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَاَلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا كَانَ الرَّقِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute