للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ لِمَالِهِ، وَالْكَفَّارَاتُ خِلَافُ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ تَكُونُ صِيَامًا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَغَيْرُهُ يَجْزِيهِ، وَالْجِنَايَاتُ وَمَا اسْتَهْلَكَ لِلْآدَمِيِّينَ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَكُلُّ مَا قُلْت لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِهِ فَفَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَلَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَأَجَازَهُ السَّيِّدُ، أَوْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنِّي إنَّمَا أُجِيزُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُفْسِدُهُ بِالْعَقْدِ لَا بِحَالٍ تَأْتِي بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِذَا اسْتَأْنَفَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ هِبَةً أَوْ شَيْئًا يَجُوزُ، أَوْ أَمْرًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ جَازَ ذَلِكَ.

وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى إلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَلَمْ يُحْدِثْ الْمُكَاتَبُ لِلْعَبْدِ عِتْقًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَأَرَادَ تَجْدِيدَ الْعِتْقِ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ عِتْقًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عَلَى مَيِّتٍ.

وَمَا ابْتَدَأَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ لِئَلَّا يَعْجِزَ فَيَرْجِعَ إلَى سَيِّدِهِ ذَاهِبَ الْمَالِ، فَإِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ قَبْلَ يَفْعَلَهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ فَمَا صَنَعَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ لِلْحُرِّ جَازَ لَهُ.

(قَالَ): وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِمُكَاتَبِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ فَكَاتَبَهُ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ الْآخَرُ قَبْلَ الْأَوَّلِ الَّذِي كَاتَبَهُ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ بَاطِلٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَلَمَّا كَانَ الْمُكَاتَبُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَاءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتِقَ وَلَا يُكَاتِبَ مَنْ يُعْتَقُ بِكِتَابَتِهِ، وَهُوَ لَا وَلَاءَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: لَيْسَ هَذَا كَالْبُيُوعِ وَلَا الْهِبَاتِ ذَلِكَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِحَالٍ، وَالْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَقِ حَقُّ وَلَاءٍ فَلَمَّا لَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِحُرٍّ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ بِحَالٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ، وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ مُكَاتَبُهُ قَبْلَهُ فَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ أَبَدًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَالْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْمُعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَبْدُ عَبْدِهِ عَتَقَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِإِذْنِهِ فِي حِينٍ لَا يَكُونُ لَهُ بِعِتْقِهِ وَلَاؤُهُ.

فَإِنْ مَاتَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقِ أَوْ مُكَاتَبُهُ بَعْدَمَا يُعْتِقُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ فِي قَوْلِ مَنْ وَقَّفَ الْمِيرَاثَ كَمَا وَصَفْت يُوقَفُ وَلَاؤُهُ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ يُعْتَقَ أَوْ عَجَزَ فَالْمَالُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقِ إذَا كَانَ حَيًّا يَوْمَ يَمُوتُ مُعْتِقُ مُكَاتَبِهِ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ، وَمِيرَاثُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَاءَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَمَّا مَا أَعْطَى الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ الَّذِي كَاتَبَهُ بِبَيْعٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ حُرٍّ لَوْ صَنَعَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِعَبْدِهِ فَيَأْخُذُهُ كَيْفَ شَاءَ.

وَإِذَا بَاعَ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبُهُ لَمْ يَحِلَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا كَمَا يَحِلُّ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ حُرٍّ أَجْنَبِيٍّ لَا يَخْتَلِفُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ مِنْهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا بَاعَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ لَمْ يَحِلَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَيَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّغَابُنُ فِيمَا السَّيِّدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَالًا لِأَحَدِهِمَا، وَكَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ يَتَبَايَعَانِ بِرِضَاهُمَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَثُرَ فَضْلُهُ فِيهِ بِحَالٍ وَرَهَنَ فِيهِ رَهْنًا وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَهْلِكُ وَالْغَرِيمُ وَالْحَمِيلُ يُفْلِسُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ فِي الدَّيْنِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَارِبَ أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِخِيَارِ ثَلَاثٍ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ عَلَى قَابِضِهِ إمَّا بِالثَّمَنِ وَإِمَّا بِالْقِيمَةِ.

وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ لَهُ، وَغَيْرُ نَظَرٍ لِلَّذِي أَدَانَهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ فِي سَلَفٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُسْلِفَ فِي طَعَامٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ قَدْ يَتْلَفُ، وَلَهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ فِي طَعَامٍ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>