نَمِرَةٍ، وَقَدْ كَانَ لَا يُشَكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ السِّلَاحُ، وَالثِّيَابُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُكَفَّنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا إلَّا فِرَاءً أَوْ حَشْوًا أَوْ لِبْدًا (قَالَ): وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا كُفِّنَ فِي جِلْدٍ وَلَا فَرْوٍ وَلَا حَشْوٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَشْوُ ثَوْبًا كُلُّهُ فَلَوْ كُفِّنَ بِهِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا لِأَنَّهُ مِنْ لَبُوسِ عَامَّةِ النَّاسِ فَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَيْسَ يُعْلَمُ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ، وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الشَّعْبِيَّ رَوَى أَنَّ حَمْزَةَ صُلِّيَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ مِنْ الْقَتْلَى حَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَرْفَعُونَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِآخَرِينَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ حَتَّى صُلِّيَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً.
(قَالَ): وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَهِيدًا فَإِذَا كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً فِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَالصَّلَاةُ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ صَلَوَاتٍ أَوْ ثَمَانٍ فَنَجْعَلُهُ عَلَى أَكْثَرِهَا عَلَى أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَى اثْنَيْنِ صَلَاةً، وَعَلَى حَمْزَةَ صَلَاةً فَهَذِهِ تِسْعُ صَلَوَاتٍ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ سَبْعُونَ صَلَاةً؟ وَإِنْ كَانَ عَنَى سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً فَنَحْنُ وَهُمْ نَزْعُمُ أَنَّ التَّكْبِيرَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعٌ فَهِيَ إذَا كَانَتْ تِسْعَ صَلَوَاتٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ أَرْبَعُ وَثَلَاثُونَ؟ فَيَنْبَغِي لِمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَسْتَحْيِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَارِضَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا عَيْنَانِ فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ»، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ مَا كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ تَرَكْت بَعْضَ الْحَدِيثِ، وَأَخَذْت بِبَعْضٍ (قَالَ): وَلَعَلَّ تَرْكَ الْغُسْلِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ إرَادَةُ أَنْ يَلْقَوْا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلُومِهِمْ لِمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رِيحَ الْكَلْمِ رِيحُ الْمِسْكِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ»، وَاسْتَغْنَوْا بِكَرَامَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ لَهُمْ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَكُونُ فِيمَنْ قَاتَلَ بِالزَّحْفِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْجِرَاحِ، وَخَوْفِ عَوْدَةِ الْعَدُوِّ، وَرَجَاءِ طَلَبِهِمْ، وَهَمِّهِمْ بِأَهْلِيهِمْ، وَهَمِّ أَهْلِهِمْ بِهِمْ.
(قَالَ): وَكَانَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ رُؤَسَاءَ الْمُسْلِمِينَ غَسَّلُوا عُمَرَ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَهُوَ شَهِيدٌ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ، وَغَسَّلُوا الْمَبْطُونَ، وَالْحَرِيقَ، وَالْغَرِيقَ، وَصَاحِبَ الْهَدْمِ، وَكُلُّهُمْ شُهَدَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْأَحْيَاءِ مَعْنَى أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَمَّا مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي لَوْ عَاشَ مُدَّةً يَنْقَطِعُ فِيهَا الْحَرْبُ، وَيَكُونُ الْأَمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ قُتِلَ صَغِيرٌ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ صُنِعَ بِهِمَا مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ، وَلَمْ يُغَسَّلَا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمَا، وَمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَطْءِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ بِهِ الْحَتْفُ فَحَالُهُ حَالُ مَنْ قُتِلَ بِالسِّلَاحِ، وَخَالَفَنَا فِي الصَّبِيِّ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: لَيْسَ كَالشَّهِيدِ، وَقَالَ قَوْلَنَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ الصَّغِيرُ شَهِيدٌ، وَلَا ذَنْبَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ»، أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَثَبَّتَهُ مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّغِيرِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَقَالَ شَهِدْت عَلَى هَؤُلَاءِ فَزَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَكُلُومِهِمْ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute