للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ): سَمِعْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا عِنْدَنَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا قَدُمَ النَّاسَ لِتَضَايُقِ الطَّرِيقِ حَتَّى كَأَنَّا لَمْ نَحْتَجَّ بِغَيْرِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْمَشْيُ خَلْفَهُ أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْجِنَازَةَ مَتْبُوعَةٌ، وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ، وَقَالَ: التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِهَا إذَا كَانَ خَلْفَهَا أَكْثَرُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْقَوْلُ فِي أَنَّ الْمَشْيَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مَشَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَامَهَا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْعَامَّةَ تَقْتَدِي بِهِمْ، وَتَفْعَلُ فِعْلَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ تَعْلِيمِهِ الْعَامَّةَ نَعْلَمُهُمْ يَدَّعُونَ مَوْضِعَ الْفَضْلِ فِي اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ نَعْرِفُ مَوْضِعَ الْفَضْلِ إلَّا بِفِعْلِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا شَيْئًا وَتَتَابَعُوا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْفَضْلِ فِيهِ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مِنْ مَشْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهَا إلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي اجْتِمَاعِ أَئِمَّةِ الْهُدَى بَعْدَهُ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَمْشُوا فِي مَشْيِهِمْ لِتَضَايُقِ الطَّرِيقِ إنَّمَا كَانَتْ الْمَدِينَةُ أَوْ عَامَّتُهَا فَضَاءً حَتَّى عُمِّرَتْ بَعْدُ فَأَيْنَ تَضَايُقُ الطَّرِيقِ فِيهَا، وَلَسْنَا نَعْرِفُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافَ فِعْلِ أَصْحَابِهِ؟، وَقَالَ قَائِلُ هَذَا الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ فَلَمْ نَرَ مَنْ مَشَى أَمَامَهَا إلَّا لِاتِّبَاعِهَا فَإِذَا مَشَى لِحَاجَتِهِ فَلَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْجِنَازَةِ، وَلَا يُشَكُّ عِنْدَ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ أَمَامَهَا هُوَ مَعَهَا، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ فَرَأَى هَذَا كَلَامًا ضَعِيفًا لِأَنَّ الْجِنَازَةَ إنَّمَا هِيَ تُنْقَلُ لَا تَتْبَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ بِهَا، وَيَنْقُلُهَا الرِّجَالُ، وَلَا تَكُونُ هِيَ تَابِعَةً، وَلَا زَائِلَةً إلَّا أَنْ يُزَالَ بِهَا لَيْسَ لِلْجِنَازَةِ عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ لِمَنْ تَبِعَهَا وَلِمَنْ مَعَهَا، وَلَوْ شَاءَ مُحْتَجٌّ أَنْ يَقُولَ: أَفْضَلُ مَا فِي الْجِنَازَةِ حَمْلُهَا، وَالْحَامِلُ إنَّمَا يَكُونُ أَمَامَهَا ثُمَّ يَحْمِلُهَا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَالْفِكْرُ لِلْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَخَلِّفِ سَوَاءٌ، وَلَعَمْرِي لِمَنْ يَمْشِي مِنْ أَمَامِهَا الْفِكْرُ فِيهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ يَتْبَعُهَا إنَّ هَذِهِ لَمِنْ الْغَفْلَةِ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هَكَذَا أَنْ يَمْشِيَ، وَهُوَ خَلْفَهَا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى السَّائِبِ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ وَعُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فَتَقَدَّمَا فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ فَلَمَّا جَازَتْ بِهِمَا الْجِنَازَةُ قَامَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ أَخَذْنَا فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَجْلِسَ قَبْلَ أَنْ لَا يُؤْتَى بِالْجِنَازَةِ، وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُهَا فِي الْجُلُوسِ، وَيَنْصَرِفُ أَيْضًا بِلَا إذْنٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ اسْتَتَمَّ ذَلِكَ كُلَّهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أُحِبُّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ مِنْ أَيْنَ حَمَلَهَا، وَوَجْهُ حَمْلِهَا أَنْ يَضَعَ يَاسِرَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَاسِرَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ ثُمَّ يَامِنَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَامِنَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ، وَإِذَا كَانَ النَّاسُ مَعَ الْجِنَازَةِ كَثِيرِينَ ثُمَّ أَتَى عَلَى مَيَاسِرِهِ مَرَّةً أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَكَيْفَمَا يَحْمِلُ فَحَسَنٌ وَحَمْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ، وَلَا يَحْمِلُ النِّسَاءُ الْمَيِّتَ، وَلَا الْمَيِّتَةَ، وَإِنْ ثَقُلَتْ الْمَيِّتَةُ فَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَحْمِلُ عَمْدًا حَتَّى يَكُونَ مَنْ يَحْمِلُهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَمَانِيَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>