لِوَجْهِهِ فَيَقْصِدَ قَصْدَ نُسُكِهِ
(قَالَ): وَكَذَلِكَ أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْلُكَ غَيْرَ طَرِيقَةٍ مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهَا لِغَيْرِ أَمْرٍ يَنُوبُهُ أَوْ رِفْقٍ بِهِ، فَإِنْ نَابَهُ أَمْرٌ أَوْ كَانَتْ طَرِيقٌ أَرْفَقَ مِنْ طَرِيقٍ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا فِدْيَةَ فِي أَنْ يَعْرُجَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي سَنَةٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ كَانَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ مُجْزِئَةً عَنْهُ لِأَنَّ وَقْتَ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلَيْسَتْ كَالْحَجِّ الَّذِي إذَا فَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى إحْرَامِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَقَضَاهُ وَأَكْرَهُ هَذَا لَهُ لِلتَّعْزِيرِ بِإِحْرَامِهِ وَلَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفِيقًا ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ طَافَ مُفِيقًا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَعِمَادُ الْعُمْرَةِ الْإِهْلَالُ وَالطَّوَافُ وَلَا يَضُرُّ الْمُعْتَمِرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ قَائِلٌ: لِمَ جَعَلْتَ عَلَى مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ؟ قُلْت لَهُ لَمَّا أُمِرَ فِي حَجِّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا مِنْ مِيقَاتِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَ مِيقَاتِهِ وَالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ابْتِدَائِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ أَهْلِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا قُلْت لَهُ ارْجِعْ حَتَّى تَكُونَ مُهِلًّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرْت أَنْ تَكُونَ مُهِلًّا بِهِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَإِنَّمَا قُلْنَاهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا يُشْبِهُ مِنْ دَلَالَةِ السُّنَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ قُلْت إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ لِخَوْفِ فَوْتٍ وَلَا غَيْرِ عُذْرٍ بِذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ أَهَرَاقَ دَمًا عَلَيْهِ؟ قُلْت لَهُ لَمَّا جَاوَزَ مَا وَقَّتَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَ أَنْ يَأْتِيَ بِكَمَالِ مَا عَلَيْهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ مِمَّا تَرَكَ فَإِنْ قَالَ فَكَيْفَ جَعَلْت الْبَدَلَ مِنْ تَرْكِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فِي عَمَلٍ يُجَاوِزُهُ وَمُجَاوَزَتُهُ الشَّيْءَ لَيْسَ لَهُ ثُمَّ جَعَلْت الْبَدَلَ مِنْهُ دَمًا يُهْرِيقُهُ وَأَنْتَ إنَّمَا تَجْعَلُ الْبَدَلَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ شَيْئًا عَلَيْهِ فَتَجْعَلُ الصَّوْمَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةَ بِالصَّلَاةِ؟ قُلْت إنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مُخَالِفَانِ الْحَجَّ مُخْتَلِفَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا قَالَ فَأَنَّى اخْتِلَافُهُمَا؟ قُلْت يَفْسُدُ الْحَجُّ فَيَمْضِي فِيهِ وَيَأْتِي بِبَدَنَةِ وَالْبَدَلِ وَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ فَيَأْتِي بِالْبَدَلِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَيَفُوتُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَيَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَيُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ فَيَخْرُجُ الْوَقْتُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَيَفُوتُهُ الْحَجُّ فَلَا يَقْضِيه إلَّا فِي مِثْلِ يَوْمِهِ مِنْ سَنَتِهِ وَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَيَقْضِيهَا إذَا ذَكَرَهَا مِنْ سَاعَتِهِ وَيَفُوتُهُ الصَّوْمُ فَيَقْضِيه مِنْ غَدٍ وَيُفْسِدُهُ عِنْدَنَا عِنْدَك بِقَيْءٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَيَعُودُ لَهُ وَيُفْسِدُهُ بِجِمَاعٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ وَجَدَهُ وَبَدَلٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا سِوَى مَا سَمَّيْنَا فَكَيْفَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ؟.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ الْحُجَّةُ فِي هَذَا أَنَّا لَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُهِلَّ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مِيقَاتُهُ وَلَا فِي أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْإِهْلَالَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُهْرِيقُ دَمًا وَقَالَ أَقَلُّهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَجُّهُ مُجْزِئُ عَنْهُ وَمِنْ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ فِيهِ أَنْ قَالُوا فِي التَّارِكِ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى وَتَارِكِ مُزْدَلِفَةَ يُهْرِيقُ دَمًا، وَقُلْنَا فِي الْجِمَارِ يَدَعُهَا يُهَرِيق دَمًا فَجَعَلْنَا وَجَعَلُوا الْإِبْدَالَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ دَمًا
(قَالَ): وَإِذَا جَاوَزَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتًا أَتَى عَلَيْهِ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً ثُمَّ أَهَلَّ دُونَهُ فَمِثْلُ غَيْرِهِ يَرْجِعُ أَوْ يُهْرِيقُ دَمًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قُلْت هَذَا فِي الْمَكِّيِّ وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ عَلَيْهِ دَمَ الْمُتْعَةِ؟ قِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute