لِلْمُحْرِمَةِ لُبْسُهُ وَمَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ شَمَّهُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ الَّذِي لَا يُعَدُّ طِيبًا وَلَا رَيْحَانًا مِثْلَ الْإِذْخِرِ وَالضُّرُوِّ وَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَالْبَشَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ النَّبَاتِ الْمَأْكُولِ الطَّيِّبِ الرِّيحِ مِثْلَ الْأُتْرُجِّ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ فَعُصِرَ مَاؤُهُ خَالِصًا فَغَمَسَ فِيهِ الثَّوْبَ فَلَوْ تَوَقَّاهُ الْمُحْرِمَانِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ لَبِسَاهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَيَجْتَمِعَانِ فِي أَنْ لَا يَتَبَرْقَعَانِ وَلَا يَلْبَسَانِ الْقُفَّازَيْنِ وَيَلْبَسَانِ مَعًا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ مُشْبَعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُشْبَعٍ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُمْنَعْ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ لِلَوْنِهِ وَأَنَّ اللَّوْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ طِيبًا لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلَكِنْ إنَّمَا نَهَى عَمَّا كَانَ طِيبًا وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَاَلَّذِي أُحِبُّ لَهُمَا مَعًا أَنْ يَلْبَسَا الْبَيَاضَ وَأَكْرَهُ لَهُمَا كُلَّ شُهْرَةٍ مِنْ عُصْفُرٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا إنْ لَبِسَا غَيْرَ الْمُطَيَّبِ وَيَلْبَسَانِ الْمُمَشَّقَ وَكُلَّ صِبَاغٍ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَوْ تَرَكَا ذَلِكَ وَلَبِسَا الْبَيَاضَ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ، أَمَّا الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ فَلِمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " يَرَاهُ الْجَاهِلُ فَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الصَّبْغَ وَاحِدٌ فَيَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِالطِّيبِ " وَأَمَّا الَّذِي لَا يُقْتَدَى بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ حِينَ يَتْرُكُ مُسْتَحَقًّا بِإِحْرَامِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت فَالْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرُ الْمُقْتَدَى بِهِ يَجْتَمِعَانِ، فَيَتْرُكُ الْعَالِمُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ الْعِلْمَ مُسْتَحَقًّا بِإِحْرَامِهِ، وَإِذَا رَأَى الْجَاهِلَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْعَالِمُ رَأَى مَنْ يَجْهَلُ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ الْجَاهِلُ إلَّا وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْعَالَمِ فَيَقُولُ الْجَاهِلُ: قَدْ رَأَيْت فُلَانًا الْعَالِمَ رَأَى مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَصَحِبَهُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ تُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ لَهَا لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَلَا تَقْطَعْهُمَا وَتَلْبَسُهُمَا وَهِيَ تَجِدُ نَعْلَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لَهَا لُبْسُ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالسَّرَاوِيلِ، وَلَيْسَ الْخُفَّانِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَلَا أُحِبُّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ نَعْلَيْنِ وَتُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ بَارِزَةً تُرِيدُ السِّتْرَ مِنْ النَّاسِ أَنْ تُرْخِيَ جِلْبَابَهَا أَوْ بَعْضَ خِمَارِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ ثِيَابِهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا وَتُجَافِيهِ عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى تُغَطِّيَ وَجْهَهَا مُتَجَافِيًا كَالسَّتْرِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِبَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تُدْلِي عَلَيْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلَا تَضْرِبُ بِهِ، قُلْت وَمَا لَا تَضْرِبُ بِهِ؟ فَأَشَارَ إلَيَّ كَمَا تُجَلْبِبُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا عَلَى خَدِّهَا مِنْ الْجِلْبَابِ فَقَالَ لَا تُغَطِّيهِ فَتَضْرِبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهَا فَذَلِكَ الَّذِي يَبْقَى عَلَيْهَا وَلَكِنْ تَسْدُلُهُ عَلَى وَجْهِهَا كَمَا هُوَ مَسْدُولًا، وَلَا تُقَلِّبُهُ وَلَا تَضْرِبُ بِهِ وَلَا تَعْطِفُهُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، لِتُدْلِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَلَا تَنْتَقِبُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا تَرْفَعُ الثَّوْبَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقٍ وَلَا تُغَطِّي جَبْهَتَهَا وَلَا شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا إلَّا مَا لَا يَسْتَمْسِكُ الْخِمَارُ إلَّا عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي قِصَاصَ شَعْرِهَا مِنْ وَجْهِهَا مِمَّا يُثَبِّتُ الْخِمَارَ وَيَسْتُرُ الشَّعْرَ لِأَنَّ الْخِمَارَ لَوْ وُضِعَ عَلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ فَقَطْ انْكَشَفَ الشَّعْرُ وَيَكُونُ لَهَا الِاخْتِمَارُ وَلَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ التَّعَمُّمُ وَلَا يَكُونُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا وَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إزَارًا فَيَلْبَسُهُ وَلَا يَقْطَعُ مِنْهُ شَيْئًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا وَيَلْبَسَانِ رَقِيقَ الْوَشْيِ وَالْعَصْبَ وَدَقِيقَ الْقُطْنِ وَغَلِيظَهُ وَالْمَصْبُوغَ كُلَّهُ بِالْمَدَرِ لِأَنَّ الْمَدَرَ لَيْسَ بِطِيبٍ وَالْمَصْبُوغَ بِالسِّدْرِ وَكُلَّ صَبْغٍ عَدَا الطِّيبِ.
وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ طِيبٌ فَبَقِيَ رِيحُهُ فِيهِ لَمْ يَلْبَسَاهُ وَكَانَ كَالصَّبْغِ وَلَوْ صُبِغَ ثَوْبٌ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ فَذَهَبَ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ أَوْ الْوَرْسِ مِنْ الثَّوْبِ لِطُولِ لُبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ إذَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute