للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوَلِّيَ ذَبْحَهُ النَّصْرَانِيَّ وَلَا أُحَرِّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ ذَبَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ لَهُ لَحْمُهُ فَذَبِيحَتُهُ أَيْسَرُ وَكُلُّ ذَبْحٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَهُ النَّصْرَانِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الذَّابِحُ الْقِبْلَةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الضَّحَايَا إنَّمَا هُوَ دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَخَيْرُ الدِّمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ «وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا كَانَ نَفِيسًا كُلَّمَا عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ.

الضَّحَايَا الثَّانِي

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضَّحَايَا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ دُونَ هَذَا ضَحِيَّةً. وَالضَّحِيَّةُ تَطَوُّعٌ سُنَّةٌ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ تَطَوُّعٍ فَهُوَ هَكَذَا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ إذَا كَانَ مِثْلَ الصَّيْدِ أَجْزَأَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ مِثْلُ مَا أُصِيبَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ بِحُجَجِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقْتُ الْأَضْحَى قَدْرُ مَا يَدْخُلُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَذَلِكَ إذَا بَرَزَتْ الشَّمْسُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَإِذَا مَضَى مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ هَذَا الْوَقْتِ حَلَّ الْأَضْحَى وَلَيْسَ الْوَقْتُ فِي عَمَلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الصَّلَاةَ فَيُقَدِّمُونَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ يُؤَخِّرُونَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا، أَرَأَيْت لَوْ صَلَّى رَجُلٌ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَخَطَبَ وَانْصَرَفَ مَعَ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى الضُّحَى الْأَعْلَى هَلْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ يَحْرُمُ أَنْ يُضَحِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ الْآخَرِ لَا وَقْتَ فِي شَيْءٍ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَقْتُهُ، فَأَمَّا تَأَخُّرُ الْفِعْلِ وَتَقَدُّمُهُ عَنْ فِعْلِهِ فَلَا وَقْتَ فِيهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَهْلُ الْبَوَادِي وَأَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ لَهُمْ أَئِمَّةٌ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَا وَقْتَ إلَّا بِقَدْرِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا صَلَاةُ مَنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا وَقْتٌ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ فَيُضَحِّي بِالْجَلْحَاءِ، وَإِذَا ضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ فَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ الْقَرْنِ مِنْ مَكْسُورَةِ الْقَرْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرْنُهَا يُدْمِي أَوْ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا خَوْفَ عَلَيْهَا فِي دَمِ قَرْنِهَا فَتَكُونُ بِهِ مَرِيضَةً فَلَا تُجْزِي مِنْ جِهَةِ الْمَرَضِ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا هَذَا وَإِنْ كَانَ قَرْنُهَا مَكْسُورًا كَسْرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا يُدْمِي أَوْ لَا يُدْمِي فَهُوَ يُجْزِي

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ شَاءَ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُضَحِّيَ فِي مُصَلَّاهُ وَمَنْ شَاءَ ضَحَّى فِي مَنْزِلِهِ وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فَقَدْ عَلِمَ مَنْ مَعَهُ أَنَّ الضَّحِيَّةَ قَدْ حَلَّتْ فَلَيْسُوا يَزْدَادُونَ عِلْمًا بِأَنْ يُضَحِّيَ وَلَا يُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَحُّوا، أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يُضَحِّ عَلَى حَالٍ أَوْ أَخَّرَ الضَّحِيَّةَ إلَى بَعْضِ النَّهَارِ أَوْ إلَى الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا تُجْزِي الْمَرِيضَةُ أَيَّ مَرَضٍ مَا كَانَ بَيِّنًا فِي الضَّحِيَّةِ وَإِذَا أَوْجَبَ الرَّجُلُ الشَّاةَ ضَحِيَّةً وَإِيجَابُهَا أَنْ يَقُولَ هَذِهِ ضَحِيَّةٌ لَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إيجَابًا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ مِنْهَا وَلَوْ أَبْدَلَهَا فَذَبَحَ الَّتِي أَبْدَلَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَذْبَحُ الْأُولَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهَا وَمَتَى لَمْ يُوجِبْهَا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا أَبْدَلَهَا أَوْ لَمْ يُبَدِّلْهَا كَمَا يَشْتَرِي الْعَبْدَ يَنْوِي أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْمَالَ يَنْوِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ هَذَا وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَذَا وَلَوْ فَعَلَ كَانَ خَيْرًا لَهُ (قَالَ): وَلَا تُجْزِي الْجَرْبَاءُ وَالْجَرَبُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مَرَضٌ بَيِّنٌ مُفْسِدٌ لِلَّحْمِ وَنَاقِصٌ لِلثَّمَنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ قَدْ أَوْجَبَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ ثَمَنِهَا أُضْحِيَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>