الْمَيْتَةِ، وَلَوْ اُضْطُرَّ، وَمَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يَحِلُّ، فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ بِثَمَنِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، كَانَ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يُغَالِيَ بِهِ وَيَدَعَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ. وَلَيْسَ لَهُ، بِحَالٍ، أَنْ يُكَابِرَ رَجُلًا عَلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَهُوَ يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ عَنْهُ مِنْ شَرَابٍ فِيهِ مَيْتَةٌ أَوْ مَيْتَةٌ، وَإِنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَجِدْ مَيْتَةً وَلَا شَرَابًا فِيهِ مَيْتَةٌ، وَمَعَ رَجُلٍ شَيْءٌ، كَانَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَهُ. وَإِذَا كَابَرَهُ، أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ وَافِيًا، فَإِنْ كَانَ إذَا أَخَذَ شَيْئًا خَافَ مَالِكُ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ. وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى صَيْدٍ أَوْ مَيْتَةٍ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ، فَإِنْ أَكَلَ الصَّيْدَ فَدَاهُ، إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ. وَإِنْ اُضْطُرَّ فَوَجَدَ مَنْ يُطْعِمُهُ أَوْ يُسْقِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ. وَإِذَا وَجَدَ فَقَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُ الضَّرُورَةُ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، أَنْ يَخَافَ إنْ أَطْعَمَهُ أَوْ سَقَاهُ، أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ فَيَقْتُلَهُ، فَلَهُ تَرْكُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ بِهَذِهِ الْحَالِ. وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَوَجَدَ مَعَ رَجُلٍ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا، يَعْلَمُهُ يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ فِي مَرَضِهِ، كَانَ لَهُ تَرْكُهُ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَيْتَةُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ وَجْهًا ثَانِيًا، أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ الْمَرَضَ يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ: قَلَّمَا يَبْرَأُ مَنْ كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا إلَّا أَنْ يَأْكُلَ كَذَا، أَوْ يَشْرَبَ كَذَا، أَوْ يُقَالُ لَهُ: إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِئُك أَكْلُ كَذَا أَوْ شُرْبُ كَذَا، فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا أَسْكَرَتْهُ، أَوْ شَيْئًا يُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ. وَمَنْ قَالَ هَذَا، قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابَ أَنْ يَشْرَبُوا أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَأَبْوَالَهَا وَقَدْ يَذْهَبُ الْوَبَاءُ بِغَيْرِ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»، إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ مَا هُنَالِكَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْ الْأَعْرَابِ لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ، وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا، لِأَنَّهَا تُعْطِشُ وَتُجِيعُ. وَلَا لِدَوَاءٍ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ بِالْعَقْلِ. وَذَهَابُ الْعَقْلِ مَنْعُ الْفَرَائِضِ، وَتُؤَدِّي إلَى إتْيَانِ الْمَحَارِمِ. وَكَذَلِكَ مَا أَذْهَبَ الْعَقْلَ غَيْرُهَا. وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَأَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ بِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، وَلَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ مِمَّا نَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِحَالٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ بِالضَّرُورَةِ، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ. وَلَوْ خَرَجَ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ. وَلَوْ خَرَجَ غَيْرَ عَاصٍ، ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ، خَشِيت أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ، لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، لَا فِي حَالِ تَقَدُّمَتِهَا وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute