للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كَمَا نَذَرَ مَاشِيًا أَوْ غَيْرَ مَاشٍ (قَالَ الرَّبِيعُ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يَمْشِي فَإِذَا كَانَ مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مِثْلِ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عَنْ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فِيهِ الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِي تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَمْشِي إذَا كَانَ الْمَشْيُ تَعْذِيبًا لَهُ يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَشْيٌ حَتَّى يَكُونَ نَوَى شَيْئًا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الْبِرِّ بِرٌّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ نَذَرَ فَقَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ أَوْ الْعِرَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْبُلْدَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ طَاعَةٌ فِي الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْتَجَى فِيهَا الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» وَلَا يُبَيِّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا يُبَيِّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَتَيْنِ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وَهُوَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ هَذَا كَمَا يُؤْخَذُ لِلْآدَمِيِّينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ هَذَا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ فِي النَّحْرِ فِي غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ.

وَفِي تَرْجَمَةِ الْهَدْيِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرَاجُمِ مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ نُصُوصٌ تَتَعَلَّقُ بِالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ

فَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الَّذِي سَمَّى، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَزِمَهُ هَدْيٌ لَيْسَ بِجَزَاءٍ مِنْ صَيْدٍ، فَيَكُونُ عَدْلَهُ. فَلَا يُجْزِيهِ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا الْمَعْزِ، إلَّا ثَنِيٌّ فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَيُجْزِي مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ: وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَرَمُ، لَا مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ، فَيَنْحَرَ فِيهِ هَدْيًا، أَوْ يُحْصَرَ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ، فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَلَا هَدْيَ إلَّا فِي الْحَرَمِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَذُكِرَ هُنَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْهَدْيِ آخِرَ الْحَجِّ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْذُورِ وَالتَّطَوُّعِ.

(قَالَ): وَإِذَا سَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>