وَإِمْسَاكٌ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُؤَدِّي هَذَا إلَّا مَنْ أُمِرَ بِهِ مِمَّنْ عَقَلَهُ وَعَلَيْهِ إذَا صَلَّى سَكْرَانَ أَنْ يُعِيدَ إذَا صَحَا وَلَوْ صَلَّى شَارِبُ مُحَرَّمٍ غَيْرُ سَكْرَانَ كَانَ عَاصِيًا فِي شُرْبِهِ الْمُحَرَّمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَعَادَ وَأَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ يَكُونَ يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ فِي بَعْضِ مَا لَمْ يَكُنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرْبِ وَمَنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ بِوَسَنٍ ثَقِيلٍ فَصَلَّى وَهُوَ لَا يَعْقِلُ أَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا عَقَلَ وَذَهَبَ عَنْهُ الْوَسَنُ وَمَنْ شَرِبَ شَيْئًا لِيَذْهَبَ عَقْلُهُ كَانَ عَاصِيًا بِالشُّرْبِ وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى السَّكْرَانِ إذَا أَفَاقَا قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّيَاهَا وَعُقُولُهُمَا ذَاهِبَةٌ وَسَوَاءٌ شَرِبَا نَبِيذًا لَا يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ، أَوْ نَبِيذًا يَرَيَانِهِ يُسْكِرُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ افْتَتَحَا الصَّلَاةَ يَعْقِلَانِ فَلَمْ يُسَلِّمَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْلِبَا عَلَى عُقُولِهِمَا أَعَادَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَا أَفْسَدَ أَوَّلَهَا أَفْسَدَ آخِرَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَا ذَاهِبَيْ الْعَقْلِ ثُمَّ أَفَاقَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَصَلَّيَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ إلَّا التَّكْبِيرَ مُفِيقِينَ كَانَتْ عَلَيْهِمَا الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا الصَّلَاةَ وَهُمَا لَا يَعْقِلَانِ وَأَقَلُّ ذَهَابِ الْعَقْلِ الَّذِي يُوجِبُ إعَادَةَ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا يَعْزُبُ عَقْلُهُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَيَثُوبُ.
الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا غُلِبَ الرَّجُلُ عَلَى عَقْلِهِ بِعَارِضِ جِنٍّ أَوْ عَتَهٍ، أَوْ مَرَضٍ مَا كَانَ الْمَرَضُ ارْتَفَعَ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ مَا كَانَ الْمَرَضُ بِذَهَابِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْقِلَ مَا يَقُولُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ وَمَغْلُوبٌ بِأَمْرٍ لَا ذَنْبَ لَهُ فِيهِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَيُكَفَّرُ عَنْهُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتٍ فَيُصَلِّي صَلَاةَ الْوَقْتِ وَهَكَذَا إنْ شَرِبَ دَوَاءً فِيهِ بَعْضُ السَّمُومِ وَإِلَّا غَلَبَ مِنْهُ أَنَّ السَّلَامَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ عَلَى ضُرِّ نَفْسِهِ وَلَا إذْهَابِ عَقْلِهِ وَإِنْ ذَهَبَ وَلَوْ احْتَاطَ فَصَلَّى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِبَ شَيْئًا فِيهِ سُمٌّ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَلَالًا فَخَبَلَ عَقْلُهُ أَوْ وَثَبَ وَثْبَةً فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ، أَوْ تَدَلَّى عَلَى شَيْءٍ فَانْقَلَبَ دِمَاغُهُ فَخَبَلَ عَقْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعَ ذَهَابَ عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا يَعْقِلُ، أَوْ تَرَكَهَا بِذَهَابِ الْعَقْلِ فَإِنْ وَثَبَ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ، أَوْ تَنَكَّسَ لِيُذْهِبَ عَقْلَهُ فَذَهَبَ كَانَ عَاصِيًا وَكَانَ عَلَيْهِ إذَا ثَابَ عَقْلُهُ إعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّى ذَاهِبَ الْعَقْلِ، أَوْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا جَعَلْتُهُ عَاصِيًا بِمَا عَمَدَ مِنْ إذْهَابِ عَقْلِهِ، أَوْ إتْلَافِ نَفْسِهِ جَعَلَتْ عَلَيْهِ إعَادَةَ مَا صَلَّى ذَاهِبَ الْعَقْلِ، أَوْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَإِذَا لَمْ أَجْعَلْهُ عَاصِيًا بِمَا صَنَعَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتٍ بِحَالٍ وَإِذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَلَمْ يُعِدْ مَا قَبْلَهُمَا لَا صُبْحًا وَلَا مَغْرِبًا وَلَا عِشَاءً وَإِذَا أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ قَضَى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَإِذَا أَفَاقَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَضَى الصُّبْحَ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَقْضِهَا وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ فِي حَالِ عُذْرٍ، جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَمَّا جَعَلَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَقْتًا لِلْآخِرَةِ فِي حَالٍ وَالْآخِرَةَ وَقْتًا لِلْأُولَى فِي حَالٍ كَانَ وَقْتُ إحْدَاهُمَا وَقْتًا لِلْأُخْرَى فِي حَالٍ وَكَانَ ذَهَابُ الْعَقْلِ عُذْرًا وَبِالْإِفَاقَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَأَمَرْته أَنْ يَقْضِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاقَ فِي وَقْتٍ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ آمُرُ الْحَائِضَ وَالرَّجُلَ يُسَلِّمُ كَمَا آمُرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَنْ أَمَرْته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute