للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الرَّهْنِ، وَالْأَلْفُ الَّتِي لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالرَّهْنِ عَلَيْهِ بِلَا رَهْنٍ فِي هَذَا الرَّهْنِ وَالْأُولَى بِالرَّهْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي بِاسْمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ.

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ حَقًّا فَقَالَ قَدْ رَهَنْتُكَهُ بِمَا فِيهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كَانَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُنْفَسِخًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْرِي مَا فِيهِ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبِلْته وَأَنَا أَرَى أَنَّ فِيهِ شَيْئًا ذَا ثَمَنٍ أَلَمْ يَكُنْ ارْتَهَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ جِرَابٌ بِمَا فِيهِ وَخَرِيطَةٌ بِمَا فِيهَا وَبَيْتٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، وَلَوْ رَهَنَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحَقَّ دُونَ مَا فِيهِ أَوْ قَالَ الْحَقُّ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ الْحَقُّ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ دُونَ مَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا سُمِّيَ دُونَ مَا فِيهِ، وَكَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ ارْتِهَانِ الْحَقِّ دُونَ مَا فِيهِ، وَهَذَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ مَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْحَقِّ وَالْبَيْتِ أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْخَرِيطَةِ أَنْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالرَّهْنِ مَا فِيهَا قَالَ: وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا مُثْمِرًا، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَرَ فَالثَّمَرُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ طَلْعًا أَوْ بُسْرًا أَوْ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ طَلْعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُرْتَهِنُ مَعَ النَّخْلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَهَنَ الثَّمَرَ بَعْدَمَا خَرَجَ وَرُئِيَ جَازَ الرَّهْنُ، وَلَهُ تَرْكُهُ فِي نَخْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَيَصْلُحُ فِي شَجَرِهِ إلَّا بِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبْدِهِ إذَا رَهَنَهُ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا نَخْلًا لَا ثَمَرَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ثَمَرِهَا رَهْنٌ أَوْ مَاشِيَةٌ لَا نِتَاجَ مَعَهَا عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ رَهْنٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي الثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَهَنَ شَيْئًا مَعْلُومًا وَشَيْئًا مَجْهُولًا.

وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فِي الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَا أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَمَا نَتَجَتْ مَاشِيَتُهُ الْعَامَ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْهَنُك مَا حَدَثَ لِي مِنْ نَخْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلٍ أَوْ أَوْلَادِ مَاشِيَةٍ وَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ فَإِنْ ارْتَهَنَهُ عَلَى هَذَا فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الثَّمَرَةِ شَيْئًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ فِي النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ بِأَعْيَانِهَا بِفَسَادِ مَا شُرِطَ مَعَهَا فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيَجِدُ أَحَدَهُمَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ زِقَّ خَمْرٍ فَيُجِيزُ الْجَائِزَ وَيَرُدُّ الْمَرْدُودَ مَعَهُ.

وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذَا كَمَا يَفْسُدُ فِي الْبُيُوعِ لَا يَخْتَلِفُ فَإِذَا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الرَّهْنِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ جَائِزٍ فَسَدَا مَعًا وَبِهِ أَخَذَ الرَّبِيعُ، وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَجُلًا كَلْبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَلَوْ رَهَنَهُ جُلُودَ مَيْتَةٍ لَمْ تُدْبَغْ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ، وَلَوْ دُبِغَتْ بَعْدُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بَعْدَمَا دُبِغَتْ جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ يَحِلُّ.

وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ مَعَ وَرَثَةِ غَيْبٍ دَارًا فَرَهَنَ حَقَّهُ فِيهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَهُ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمٍ فَإِذَا سَمَّى ذَلِكَ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ جَازَ. وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْحَقِّ عِنْدَ مَحِلِّهِ فَالرَّهْنُ بَيْعٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْمُرْتَهِنُ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يَكُونُ بَيْعًا لَهُ بِمَا قَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَا رَهْنٌ، وَلَا بَيْعٌ كَمَا يَجُوزُ الرَّهْنُ أَوْ الْبَيْعُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ، وَكَانَ حَقُّهُ بِحَالِهِ كَمَا لَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ، وَلَا الْفَاسِدَ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فِي يَدَيْهِ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِصَصًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدَيْهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّهْنُ الَّذِي فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ قَلَعَ بِنَاءَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بَنَى قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْعًا فَكَانَ بَانِيًا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِالْبِنَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>