للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالدَّيْنُ حَالٌّ وَيُبَاعُ الرَّهْنُ فَإِنْ أَدَّى مَا فِيهِ فَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ رُدَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ نَقَصَ الرَّهْنُ مِنْ الدَّيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وَكَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَبْقَى مِنْ دَيْنِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي ثَمَنِ رَهْنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِشَيْءٍ إنْ بَقِيَ لَهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرُ الْمَرْهُونِ إذَا بَاعَ رَهْنَهُ فَلَمْ يَفِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَا وَضَعَاهُ عَلَى يَدَيْ الْعَدْلِ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا مَعًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ فَلِلرَّاهِنِ مَا بَاعَ بِهِ الرَّهْنَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ عَلَى يَدَيْهِ إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ، وَإِلَّا تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِلرَّهْنِ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ خِلَافُ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ فَإِنْ فَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَا بَلَغَتْ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ وَيَكُونُ لِمَالِكِ الرَّهْنِ فَضْلُهَا. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَضْمَنُ مَا حَطَّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ جَازَ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ بِحَالٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَحَدُّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا شَدِيدًا فِيمَا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ وَيَخُصُّ وَيَعُمُّ فَيُدْعَى رَجُلَانِ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ فَقَالَ أَيَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ جَازَ، وَإِنْ قَالُوا: لَا. رَدَّ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ مَا وَصَفْت.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا يَتَغَابَنُ بِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْبَصَرِ، وَإِلَى تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ رَجَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ، وَكَانَ صَاحِبُهُ يَقُولُ حَدُّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ الْعَشَرَةُ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةً لَمْ يَتَغَابَنْ أَهْلُ الْبَصَرِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَهْلُ الْبَصَرِ بِالْجَوْهَرِ وَالْوَشْيِ وَعَلَيْهِ الرَّقِيقُ يَتَغَابَنُونَ بِالدِّرْهَمِ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بِدِرْهَمٍ وَذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَعُمُومِ الْبَصَرِ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ مَا يَدِقُّ وَظُهُورِ مَا يَجِلُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ بَاعَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ الثَّمَنُ مِنْهُ فَهُوَ أَمِينٌ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُؤْتَمَنِ وَالْبَائِعُ فَقَالَ: بِعْت بِمِائَةٍ، وَقَالَ بِعْت بِخَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ أَرَادَ الَّذِي يُحَالِفُهُ يَمِينَهُ قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ بِمِئَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْعَبْدِ: رَهَنْتُك عَبْدِي بِمِائَةٍ أَوْ هُوَ فِي يَدَيْك وَدِيعَةً، وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ بِأَلْفٍ فِي الْحَالَيْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى مِلْكِهِ وَيَدَّعِي الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ فَضْلًا عَلَى مَا كَانَ يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ فِيهِ أَوْ حَقًّا فِي الرَّهْنِ لَا يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ فِي كَيْنُونَةِ الْعَبْدِ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ فَضْلِ الرَّهْنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَهُ بِأَلْفٍ وَدَفَعْتهَا إلَيْك، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَلْفٍ يَدَّعِي مِنْهَا الْبَرَاءَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك عَبْدًا فَأَتْلَفْته، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ مَاتَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ عَلَى تَضْمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ: رَهَنْتُك عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَتْلَفْته، وَلَيْسَ بِهَذَا. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هُوَ هَذَا فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ عَلَى تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ الْعَبْدَ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ وَيَتَحَالَفَانِ مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَلْفِ رَهَنْتَنِي بِهَا دَارَك، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: لَمْ أَرْهَنْك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ):

<<  <  ج: ص:  >  >>