للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْلِسٍ يُحِقُّهُ وَجَبَرَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ رَجَعُوا بِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ قَدْ مَنَعَهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَعْطَاهُ الْعِوَضَ مِنْهَا وَالْعِوَضُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا فَاتَ وَالسِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ فَقَضَى هَا هُنَا قَضَاءً مُحَالًا إذْ جَعَلَ الْعِوَضَ مِنْ شَيْءٍ قَائِمٍ ثُمَّ زَادَ أَنْ قَضَى بِأَنْ أَعْطَاهُ مَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا جَاءُوا وَدَخَلُوا مَعَهُ فِيهِ، وَكَانُوا أُسْوَتَهُ وَسِلْعَتُهُ قَدْ كَانَتْ لَهُ مُنْفَرِدَةً دُونَهُمْ عَنْ الْمُعْطِي فَجَعَلَهُ يُعْطِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ السِّلْعَةِ ثُمَّ جَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَطَوَّعَ بِهِ قِيلَ لَهُ: فَإِذَا كَانَ تَطَوَّعَ بِهِ فَلِمَ جَعَلْت لَهُ فِيمَا تَطَوَّعَ عِوَضَ السِّلْعَةِ وَالْمُتَطَوِّعُ مَنْ لَا يَأْخُذُ عِوَضًا مَا زِدْت عَلَى أَنْ جَعَلْته لَهُ بَيْعًا لَا يَجُوزُ وَغَرَرًا لَا يُفْعَلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ طَلْعٌ قَدْ أُبِّرَ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَأَكَلَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ حَائِطَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي حِصَّةِ الثَّمَرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى الْحَائِطِ وَالثَّمَرِ فَيَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ الثَّمَرِ مِنْ أَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الرُّبُعَ أَخَذَ الْحَائِطَ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وَهُوَ الرُّبُعُ، وَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لَا يَوْمَ أَكْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي مَالِهِ.

وَلَوْ قَبَضَهُ سَالِمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا أَصَابَتْهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ الْحَائِطَ وَالثَّمَرَ قَدْ أَخْضَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أَوْ ثَمَرٌ قَاتِمٌ أَوْ بُسْرٌ زَائِدٌ عَنْ الْأَخْضَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَالنَّخْلَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَإِنْ زَادَ كَمَا يَبِيعُهُ الْجَارِيَةَ الصَّغِيرَةَ فَيَأْخُذُهَا كَبِيرَةً زَائِدَةً، وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَأَدْرَكَ بَعْضَهُ زَائِدًا بِعَيْنِهِ أَخَذَ الْمُدْرَكَ وَتَبِعَهُ بِحِصَّةِ مَا بَاعَ مِنْ الثَّمَرِ يَوْمَ بَاعَهُ إيَّاهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وُدْيًا صِغَارًا أَوْ نَوًى قَدْ خَرَجَ أَوْ زَرْعًا قَدْ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ أَرْضٍ فَأَفْلَسَ وَذَلِكَ كُلُّهُ زَائِدٌ مُدْرَكٌ أَخَذَ الْأَرْضَ وَجَمِيعَ مَا بَاعَهُ زَائِدًا مُدْرَكًا، وَإِذَا فَاتَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ كَمَا يَكُونُ.

لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا بِحَالِ صِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَبُرَ الْعَبْدُ أَوْ صَحَّ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ سَقِيمًا صَغِيرًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ صَحِيحًا كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْهُ لَا مِنْ صَنْعَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ فَعَلَّمَهُ أَخَذَهُ مُعَلَّمًا، وَلَوْ كَسَا الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ وَهَبَ لَهُ مَالًا أَخَذَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُهُ وَمَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِيعَ، وَلَهُ مَالٌ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَسَوَاءٌ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ فَيَأْخُذُهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَبِقِيمَةِ الْمَالِ مِنْ الْبَيْعِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ.

وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لَا ثَمَرَ فِيهِ فَأَثْمَرَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ يَوْمَ فَلِسَ الْمُشْتَرِي مَأْبُورًا أَوْ غَيْرَ مَأْبُورٍ فَسَوَاءٌ وَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يُقَالُ لِرَبِّ النَّخْلِ إنْ شِئْت فَالنَّخْلُ لَك عَلَى أَنْ نُقِرَّ الثَّمَرَ فِيهَا إلَى الْجِدَادِ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ النَّخْلَ وَكُنَّ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ فَلِسَ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ فَلِسَ وَالْأَمَةُ حَامِلٌ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ وَالْحَمْلُ تَبَعٌ يَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ بِهِ الْأَمَةَ.

وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا قَبْلَ إفْلَاسِ الْغَرِيمِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ رَجَعَ بِالْأُمِّ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا فِي مِلْكِ الْغَرِيمِ، وَإِنَّمَا نَقَضْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بِالْإِفْلَاسِ الْحَادِثِ وَاخْتِيَارِ الْبَيْعِ نَقْضُهُ لَا بِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ مَفْسُوخًا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ دَارًا فَبُنِيَتْ أَوْ بُقْعَةً فَغُرِسَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ وَالْغَرِيمُ رَدَدْت الْبَائِعَ بِالدَّارِ كَمَا كَانَتْ وَالْبُقْعَةُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>