فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ، وَلَا بَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ عَبْدُهُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَيَلِي نَفْسَهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَالٍ بِحَالٍ إنَّمَا هِيَ مُتْعَةٌ لَا مَالٌ مَمْلُوكٌ نُنْفِقُهُ عَلَيْهِ وَنَمْنَعُ إتْلَافَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَالتِّجَارَةِ فَيَكُونُ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَيَكُونُ إلَى سَيِّدِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكٌ وَالْفَرْجَ بِالنِّكَاحِ مُتْعَةٌ لَا مِلْكٌ كَالْمَالِ.
وَقُلْت لَهُ: تَأَوَّلْت الْقُرْآنَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَلَمْ تُصِبْ عِنْدَنَا تَأْوِيلَهُ فَأَبْطَلْت فِيهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَجَدْت الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى الْحَجْرِ عَلَى بَالِغِينَ فَتَرَكْته وَقُلْت لَهُ أَنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ قَوْلًا وَكَانَ فِي الْقُرْآنِ تَنْزِيلٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الظَّاهِرِ قُلْنَا بِقَوْلِهِ وَقُلْنَا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ وَجَدْنَا صَاحِبَكُمْ يَرْوِي الْحَجْرَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَالَفَهُمْ وَمَعَهُمْ الْقُرْآنُ قَالَ، وَأَيُّ صَاحِبٍ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ أَوْ هُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْعًا فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلَأَحْجُرَنَّ عَلَيْك فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ ابْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا شَرِيكُك فِي بَيْعِك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَقَالَ اُحْجُرْ عَلَى هَذَا فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا شَرِيكُهُ فَقَالَ عُثْمَانُ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرِ فَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَطْلُبُ الْحَجْرَ إلَّا وَهُوَ يَرَاهُ وَالزُّبَيْرُ لَوْ كَانَ الْحَجْرُ بَاطِلًا قَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ بَالِغٍ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بَلْ كُلُّهُمْ يَعْرِفُ الْحَجْرَ فِي حَدِيثِ صَاحِبِك. قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ إلَى الْحَجْرِ قُلْت مَا زَادَهُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ قُوَّةً، وَلَا وَهَنَهُ تَرْكُهُ إيَّاهُ إنْ تَرَكَهُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيهِ. فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْت؟ قُلْت: زَعَمْت أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا وَلِيَ مَالَهُ بِرُشْدٍ يُؤْنَسُ مِنْهُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ رُشْدٍ أَحْدَثَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ وَكَذَلِكَ قُلْنَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ أَبْطَلَ كُلَّ بَيْعٍ بَاعَهُ قَبْلَهُ وَشِرَاءٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ يَعْدِلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ أَيَنْقُضُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُتَغَيِّرًا مِنْ يَوْمِ تَغَيَّرَ؟ قَالَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَنْكَرْنَاهُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ فَهَلْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا تَقُولُ فِي الْحَجْرِ وَالْيَتَامَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِك؟. قُلْت: أَمَّا أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِي فَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خِلَافًا لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْت، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِهِمْ مِثْلُ مَا قُلْت. قَالَ: فَهَلْ أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِك يَقُولُ بِخِلَافِ قَوْلِك هَذَا؟. قُلْت: قَدْ رُوِيَ لِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ نَاحِيَتِنَا أَنَّهُ خَالَفَ مَا قُلْت وَقُلْت وَقَالَ غَيْرُنَا فِي مَالِ الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا قَالَ فَقَالَ فِيهِ مَاذَا؟ قُلْت مَا لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَسْمَعَهُ ثُمَّ حَكَيْت لَهُ شَيْئًا كُنْت أَحْفَظُهُ وَكَانَ يَحْفَظُهُ فَقَالَ مَا يَشْكُلُ الْخَطَأُ فِي هَذَا عَلَى سَامِعٍ يَعْقِلُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَزَعَمَ لِي زَاعِمٌ عَنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ رَجُلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ جُبِرَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ نُكِحَتْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رُجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاسِمَهَا نَوْرَةً وَزَرْنِيخًا وَنُضُوحًا. قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ؟ قِيلَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ مَا هُوَ؟. قِيلَ لَهُ: قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَمَا فَرَضَ وَدَفَعَ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَعَمَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِنِصْفِ مَتَاعٍ لَيْسَ فِيهِ دَنَانِيرُ وَهَذَا خِلَافُ مَا جَعَلَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّا نَرَى أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهَا.
(قَالَ الرَّبِيعُ): يَعْنِي أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهَا أَنْ تُجَهِّزَ بِمَا أَعْطَاهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ مَا تَجَهَّزَتْ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِنِصْفِ مَا أَعْطَاهَا دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُجَهِّزَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute