مَعْرُوفٍ يَبِيتُ عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا فَإِنْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ أَوْ السَّطْحُ قَبْلَ السُّكْنَى رَجَعَ عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ السُّكْنَى تَمَّ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ وَبَاتَ وَانْتَقَضَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا فِي دَارٍ وَهِيَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ كِرَاءً تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَرَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ فِيهَا بَيِّنَةً، وَأَمَرَهُ إنْ خَافَ عَلَى بَيِّنَتِهِ الْمَوْتَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دَعْوَاهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يُصَالِحُ عَنْ الدَّعْوَى. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا لَمْ يُسَمِّهِ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَوْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُقِرَّ فَإِذَا أَقَرَّ جَازَ.
وَلَوْ أَقَرَّ فِي دَعْوَاهُ الَّتِي أَجْمَلَهَا فَقَالَ: أَنْتَ صَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْت عَلَيَّ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ جَائِزًا كَمَا يَجُوزُ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى شِرَاءٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الشِّرَاءَ فَقَالَ: هَذَا مَا اشْتَرَيْت مِنْك مِمَّا عَرَفْت وَعَرَفْت فَلَا تِبَاعَةَ لِي قِبَلَك بَعْدَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَيْت مِنْك. وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَا كُلَّهَا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ بَيْتًا مِنْ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ هَذَا بَعْدَ إقْرَارِهِمَا فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْجَحْدِ فَلَا يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ دَعْوَاهُمَا. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ بَعْدَمَا أَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَصَالِحُ لِلَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ صَالَحْتُك مِنْ ثَوْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ خَصْمًا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ.
(قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ): أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصُّلْحِ تَحَالَفَا وَكَانَا عَلَى أَصْلِ خُصُومَتِهِمَا مِثْلِ الْبَيْعِ سَوَاءً إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا دَعْوَى وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ فَأَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَضْمُونَةٍ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَذَا الْوَارِثُ الْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ إذَا كَانُوا مُنْكِرِينَ لِدَعْوَاهُ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ لَهُ دُونَ إخْوَتِهِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ حَقَّهُ دُونَ إخْوَتِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ إخْوَتُهُ كَانَ لَهُمْ خَصْمًا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ وَكَانَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ مَعَهُ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَكَانَ لِلْآخَرِ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ نَصِيبُهُ مِنْ حَقِّهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَنَّ دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ وَرِثَاهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا حَقًّا فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا، وَأَقَرَّ الْآخَرُ وَصَالَحَهُ عَلَى حَقِّهِ مِنْهَا خَاصَّةً دُونَ حَقِّ أَخِيهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ أَخُوهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَا هِيَ مِيرَاثٌ لَنَا عَنْ أَبِينَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا نَسَبَا ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ الْآخَرَ كَانَ النِّصْفُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لَهُ دُونَ الْمَجْحُودِ وَكَانَ الْمَجْحُودُ عَلَى خُصُومَتِهِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا كَانَ يَدَّعِي نِصْفَهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ.
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ دَارًا مِيرَاثًا فَأَقَرَّ لَهُمَا بِذَلِكَ وَصَالَحَ أَحَدَهُمَا مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ فَلَيْسَ لِأَخِيهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute