للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَقَصَ الْقِيمَةَ. قَالَ: وَإِنْ غَصَبَهُ خَشَبَةً فَشَقَّهَا أَلْوَاحًا أَخَذَ رَبُّ الْخَشَبَةِ الْأَلْوَاحَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَلْوَاحُ مِثْلَ قِيمَةِ الْخَشَبَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَهَا، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي زِيَادَةِ قِيمَةِ الْأَلْوَاحِ عَلَى الْخَشَبَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَالَهُ فِيهَا أَثَرٌ لَا عَيْنٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْوَاحُ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الْخَشَبَةِ أَخَذَهَا وَفَضْلَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُ عَمِلَ هَذِهِ الْأَلْوَاحَ أَبْوَابًا، وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ كَانَ هَكَذَا، وَلَوْ أَدْخَلَ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ حَدِيدًا أَوْ خَشَبًا غَيْرَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَيِّزَ مَالَهُ مِنْ مَالِ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى الْمَغْصُوبِ مَالَهُ وَمَا نَقَصَ مَالَهُ إذَا مَيَّزَ مِنْهَا خَشَبَهُ وَحَدِيدَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدَعَ لَهُ ذَلِكَ مُتَطَوِّعًا.

قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْخَلَ لَوْحًا مِنْهَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَنَى عَلَى لَوْحٍ مِنْهَا جِدَارًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِقَلْعِ ذَلِكَ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ وَمَا نَقَصَهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْخَيْطُ يَخِيطُ بِهِ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ غَصَبَهُ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَنْزِعَ خَيْطَهُ مِنْ إنْسَانٍ، وَلَا حَيَوَانٍ حَيٍّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا فَرَّقَ بَيْنَ الْخَيْطِ يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ وَفِي إخْرَاجِهِ إفْسَادٌ لِلثَّوْبِ وَفِي إخْرَاجِ اللَّوْحِ إفْسَادٌ لِلْبِنَاءِ وَالسَّفِينَةِ وَفِي إخْرَاجِ الْخَيْطِ مِنْ الْجُرْحِ إفْسَادٌ لِلْجُرْحِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا يَخْرُجُ مَعَ الْفَسَادِ وَالْآخَرَ لَا يَخْرُجُ مَعَ الْفَسَادِ؟. قِيلَ لَهُ إنَّ هَدْمَ الْجِدَارِ وَقَلْعَ اللَّوْحِ مِنْ السَّفِينَةِ وَنَقْضَ الْخِيَاطَةِ لَيْسَ بِمُحَرَّمِ عَلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا رُوحٌ تَتْلَفُ، وَلَا تَأْلَم؛ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحًا لِمَالِكِهَا كَانَ مُبَاحًا لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَاسْتِخْرَاجُ الْخَيْطِ مِنْ الْجُرْحِ تَلَفٌ لِلْمَجْرُوحِ، وَأَلَمٌ عَلَيْهِ وَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يُتْلِفَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يُتْلِفَهُ إلَّا بِمَا أَذِنَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ، وَلَا يُؤْخَذُ الْحَقُّ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ.

(قَالَ الرَّبِيعُ): وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إنْ كَانَ الْخَيْطُ فِي حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ فَلَا يُنْزَعُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» وَإِنْ كَانَ فِي حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ نُزِعَ الْخَيْطُ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَأْكُلَهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا ثُمَّ قَالَ أَنَا أَغْسِلُهُ حَتَّى أُخْرِجَ صَبْغِي مِنْهُ لَمْ نُمَكِّنْهُ أَنْ يَغْسِلَهُ فَيُنْقِصَ عَلَيَّ ثَوْبِي وَهُوَ مُعْسِرٌ بِذَلِكَ.

قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً تَكُونُ نَفْسًا أَوْ أَقَلَّ حَمَّلْتُهَا عَاقِلَةَ الْحُرِّ، إنْ كَانَتْ خَطَأً وَقَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ ضَمَّنْتَ الْعَاقِلَةَ جِنَايَةَ حُرٍّ عَلَى عَبْدٍ؟ قِيلَ لَهُ لَمَّا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ فِي النَّفْسِ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَى الْجَنِينِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ نَفْسٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا جَنَى الْحُرُّ مِنْ جِنَايَةِ خَطَأٍ كَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي جِنَايَةِ الْحُرِّ خَطَأً مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِي جِنَايَةِ الْحُرِّ الْعَمْدِ، وَفِيمَا اسْتَهْلَكَ الْحُرُّ مِنْ عُرُوضِ الْآدَمِيِّينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ الْعَبْدَ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا فِيهِ قِيمَتُهُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ؟ قِيلَ جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ وَدِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْعُرُوضِ وَالْبَهَائِمِ. وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَى قَاتِلِ الْعَبْدِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ كَمَا هِيَ عَلَى قَاتِلِ الْحُرِّ، وَلَا أَنَّ الرَّقَبَةَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ خَاصَّةً فَلَمَّا كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَانَتْ فِي الْعَبْدِ دِيَةٌ كَمَا كَانَتْ فِيهِ رَقَبَةٌ وَكَانَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْآيَةِ وَجُمْلَةِ السُّنَّةِ وَجُمْلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فِي أَنَّ فِيهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَدِيَتُهُ لَيْسَتْ كَدِيَةِ الْحُرِّ؟ قِيلَ وَالدِّيَاتُ مُبَيَّنَةُ الْفَرْضِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمُبَيَّنَةُ الْعَدَدِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>