للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْم كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أَرْضٌ مَنْ زَرَعَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا زَرَعَ مَا لَا يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا كَانَ أَصْلُهُ فَيْئًا، أَوْ غَنِيمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَخَاطَبَهُمْ بِأَنْ قَالَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} فَلَمَّا كَانَ الزَّرْعُ مَالًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَصَادُ حَصَادَ مُسْلِمٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا كَانَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ، فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُوَضِّحُهُ غَيْرَ هَذَا؟ قِيلَ: نَعَمْ الرَّجُلُ يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ أَوْ يَمْنَحُهُ إيَّاهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ: فَهَذِهِ لِمَالِكٍ مَعْرُوفٍ، قِيلَ: فَكَذَلِكَ يَتَكَارَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ.

فَإِنْ قَالَ: هَذَا هَكَذَا، وَلَكِنَّ أَصْلَ هَذِهِ لِمُسْلِمٍ، أَوْ لِمُسْلِمَيْنِ وَأَصْلَ تِلْكَ لِمُشْرِكٍ قِيلَ لَوْ كَانَتْ لِمُشْرِكٍ مَا حَلَّ لَنَا إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا كَانَتْ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْنَا فِيهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْنَا فِيمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ فَصَارَ لَنَا، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهِيَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مَعْرُوفِينَ، قِيلَ هِيَ لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّفَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ أَعْيَانُهُمْ كَمَا تَكُونُ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ، فَإِنْ قَالَ: فَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ مِنْهَا، قِيلَ: لَوْلَا أَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَعَلَى الْآخِذِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا خَرَاجًا، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَلَا لَهُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ صَدَقَتِهَا شَيْءٌ لِمَا أَدَّى مِنْ كِرَائِهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا فَتَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَالِفًا تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ قَائِمًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ فِي الْبَيْعِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ مَا كَانَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ فَفَاتَ رَدُّهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا فَاتَتْ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَمَا أَخْرَجَ هَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ؟ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ فِي الْمَعْنَى إلَّا بِخَبَرٍ يُلْزِمُ وَهَكَذَا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَزْرَعَ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الزَّرْعِ وَالسَّكَنِ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ قِيمَةَ الْكِرَاءِ، وَإِنْ سَكَنَ بَعْضًا رَدَّ قِيمَةَ مَا سَكَنَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِيمَا لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ تَكَارَى أَرْضًا لِزَرْعٍ فَزَرَعَهَا وَبَقِيَ لَهُ سَنَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِيمَا بَقِيَ وَرَدَّ كِرَاءَ مِثْلِهَا فِيمَا زَرَعَ.

قَالَ: وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِعَشْرَةٍ تَصَادَقَا عَلَى الْكِرَاءِ وَمَبْلَغِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكَارَى إلَيْهِ فَقَالَ الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْتهَا إلَى الْمَدِينَةِ بِعَشْرَةٍ وَقَالَ الْمُكْرِي اكْتَرَيْتهَا بِعَشْرَةٍ إلَى أَيْلَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ، وَإِنْ كَانَ رَكِبَهَا تَحَالَفَا وَكَانَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكِبَهَا إلَيْهِ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْبُيُوعِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الزَّرْعِ رَجَعَ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ تَنْهَدِمُ قَبْلَ السُّكْنَى فَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا فَهَذَا نَقْصٌ دَخَلَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَرَى وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ حَبْسِهَا بِالْكِرَاءِ أَوْ رَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا اكْتَرَى كَمَا اكْتَرَى كَمَا يَكُونُ لَهُ فِي الدَّارِ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ كَأَنْ انْهَدَمَ نِصْفُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فِي نِصْفِهَا الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الْكِرَاءِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ دَخَلَ عَلَيْهِ فَرَضِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>